الوميض المجهول فوق المحيط الهندي: سر إسرائيلي نووي

thumb (1)
حجم الخط

عادت مسألة التعاون النووي بين نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا وإسرائيل إلى الواجهة مجدداً في أعقاب نشر وثائق أميركية تظهر احتمالات أن يكون النظامان العنصريان قد أجريا تجربة نووية في المحيط الهندي قبل سبعة وثلاثين عاماً.
ومعروف أن أميركا حاولت على مدى عقود التغطية على وميضٍ، سبق والتقطه قمر صناعي تابع لها، وتجاهلت أن هذه تجربة نووية وعززت لاحقاً تعاونها العسكري والأمني مع إسرائيل.
وقد ظهرت هذه المسألة في وثائق جديدة نشرت أمس، وهي من تركة السفير الأميركي الخاص لمنع انتشار الأسلحة النووية في عهد الرئيس جيمي كارتر، جيرارد سميث.
وقد تم الكشف عن مضمون الوثائق هذه في مقالة نشرها أمس، باحثان مختصان بهذا الشأن، وهما أفنير كوهين وبيل بور.
وتذكر المقالة اسم شخص إسرائيلي هو الدكتور إنسلم يارون، بوصفه مصدراً محتملاً للمعلومات حول قدرات إسرائيل النووية لزميل أميركي هو البروفسور جاك روايني الذي حقق لصالح الإدارة الأميركية في المسألة. وكان قمر صناعي أميركي للتجسس قد التقط في 22 أيلول 1979 وميضاً فوق المحيط الهندي على بعد بضع مئات كيلومترات من الساحل الجنوب أفريقي. وقد التقطت الوميض محطات أخرى في العالم وفي أعقابه أثيرت شكوك بأنه نجم عن تجربة نووية مشتركة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا.
وعلى مر السنين، أنكرت إسرائيل وجنوب أفريقيا أن تكونا أجرتا تجربة نووية، لكن الشكوك الأميركية تأكدت على خلفية المعرفة بالتعاون النووي الوثيق بين الدولتين والذي شمل تبادلاً للعلماء والمواد.
وادعى خبراء إسرائيليون بأن الوميض كان حدثاً مناخياً ما دفع إدارة كارتر لتعيين البروفسور جيم روايني من معهد MIT لترؤس لجنة خبراء لفحص الأمر.
وكان البروفسور روايني مرشد الدكتور يارون الإسرائيلي، عندما كان طالبا عنده في معهد ماسوشتس التكنولوجي. وبحسب المقالة، فإن البروفسور الإسرائيلي كان في السبعينيات رئيساً لمشروع بناء صواريخ أرض ـ أرض من طراز «يريحو» المستندة إلى تكنولوجيا لصاروخ تسلمته إسرائيل من فرنسا في الستينيات.
وكتب المراسل الأمني لـ «يديعوت أحرنوت» رونين بيرغمان أنه طوال عقود أثيرت شكوك بأن الوميض في المحيط الهندي كان تجربة نووية وكان هذا يتم إنكاره ولكن منذ نشر الوثائق، يتأكد بشكل رسمي: «في يد الاستخبارات الأميركية توجد أدلة على أن هذه كانت تجربة نووية مشتركة بين نظام الابرتهايد في جنوب أفريقيا وإسرائيل».
وأشار إلى أن الوثائق والشهادات كشفت أمس في موقع «أرشيف الأمن القومي» لجامعة جورج تاون وتظهر أنه «فور الانفجار الغريب سارعت الولايات المتحدة إلى توجيه إصبع اتهام نحو إسرائيل وجنوب أفريقيا. ووضع ثلاثة من أصل أربعة علماء جنّدتهم السي.أي.ايه تقريراً تنكشف أجزاء منه لأول مرة وتقول إن الإشارات (من القمر الصناعي) تتطابق ومظاهر التفجير النووي في الغلاف الجوي».
واستندت استنتاجاتهم إلى مادة استخبارية متجمعة، بما في ذلك قياس الإشارات في منطقة استراليا ـ وبقرة واحدة في الدولة نفقت وعثر في دمها على مادة إشعاعية كثيرة يتميز بها التفجير النووي.
ومع أن تلك الأدلة بقيت سرية حتى اليوم، يقتبس البروفسور كوهن مقابلة أجراها في الموضوع مع الأدميرال ستانسفيلد تيرنر، رئيس الـ «سي.أي.ايه» في تلك الفترة والذي قال إنه يؤمن بأن إسرائيل وجنوب أفريقيا كانتا مسؤولتين عن التفجير.
ويضيف بيرغمان أن الرئيس كارتر هو الآخر اقتنع بذلك، في البداية على الأقل. وكتب في مذكراته في يوم التفجير يقول إنه «توجد أدلة على تفجير نووي في منطقة جنوب أفريقيا ـ إما أن تكون جنوب أفريقيا وإسرائيل استخدمتا السفن أو لا شيء».
وقبل بضع سنوات من ذلك شك كارتر بالتعاون الإسرائيلي ـ الجنوب أفريقي وطلب إيضاحات بهذا الشأن من رئيس الوزراء مناحيم بيغن. فتملص من الجواب مدعيا أن إسرائيل لا تساعد جنوب أفريقيا في تطوير سلاح نووي. ومع ذلك: بيغن لم يرد على السؤال بشأن التعاون النووي مع دولة الابرتهايد، التي أصبحت في تلك السنين معزولة في العالم.
في تشرين الثاني 1979، أمر البيت الأبيض بتشكيل لجنة خبراء في التحقيق في القضية. وعند نشر استنتاجاتها قررت على نحو مفاجئ. هذه ليست تجربة نووية بل أغلب الظن خلل في القمر الصناعي.
تجدر الإشارة إلى أن إعلان وقوف إسرائيل خلف التجربة النووية بعد نصف سنة فقط من التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد ـ والتي كانت تعتبر الإنجاز الأكبر لكارتر ـ كان سيدفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات على إسرائيل.
ويقول البروفسور كوهن إنه «من ناحية كارتر، فإن القول إن إسرائيل نفّذت تجربة نووية لا يقل عن كابوس رهيب».
وبالتالي، فقد توصلت اللجنة عملياً إلى استنتاجات كانت مريحة للجميع. تقرير سري لجهاز الاستخبارات في البنتاغون وصف استنتاجات اللجنة بأنها «طمس سياسي»، وادعى بأن هذه كانت تجربة نووية. واعترف فيزيائي كبير كان عضواً في اللجنة في وثيقة سرية بأنها قامت «بعمل خفيف وليس جدياً».
أما رئيس اللجنة، البروفسور جان روايني، فسمع من أحد تلاميذه الإسرائيليين في جامعة MIT في 1980 التفاصيل الحقيقية عما حدث في المحيط . وحسب الوثائق، فإن ذاك «المصدر» الإسرائيلي كان د. انسلم يرون، احد قادة مشروع «يريحو» والخبراء الرواد للصناعة الجوية.