"إسرائيل" تظهّر الاحتلال ! .

images
حجم الخط
 
يبدو أن "إسرائيل"، أيضاً، تقوم بعملية ترتيب أوضاعها الداخلية، على وقع انتخاب الجمهوري / القومي المتشدد دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ولمواجهة أي احتمالات بإعادة الاهتمام بالملف الفلسطيني / الإسرائيلي؛ إن كان بالعودة مجدداً للمفاوضات أو بعقد أي مؤتمرات دولية أو إقليمية بالخصوص، أو حتى حدوث "انقلاب" داخلي مفاجئ، لذا فإن اليمين المتطرف المشارك في حكومة اليمين الإسرائيلي، سعى جدياً لترجمة وجوده في الحكم، إلى إجراءات عملية، تجعل من سياسته المنحازة للاحتلال واقعاً يصعب على أي أحد، إن لم يستحيل عليه الأمر تماماً، التراجع عنها.
 
نقصد بذلك دون ريب أو شك، تعزيز الاستيطان، ليس من خلال الدعوة إلى بناء مستوطنات جديدة أو إلى توسيع تلك القائمة كما اعتاد بنيامين نتنياهو أن يفعل معللاً الأمر بالحاجة الطبيعية لمواجهة التكاثر والنمو السكاني، ولكن من خلال قطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه إزالة أي مستوطنات بحجة أنها نائية أو عشوائية أو ليست مهمة، حتى لا يكون وجودها مانعاً لإقامة دولة فلسطينية متصلة أو قابلة للحياة كما اعتدنا على سماع هذا المصطلح في قاموس السياسة الرسمية الأميركية.
 
أي باختصار إصدار قرار نهائي بقتل حل الدولتين، بغض النظر عن طبيعة الدولة الفلسطينية، إن كانت منزوعة السلاح أو أن تقوم على حدود الرابع من حزيران مع تبادل أراض، بسبب عدم القدرة على تفكيك المستوطنات الكبيرة والكتل الاستيطانية الضخمة، وبغض النظر عن التوصل لحل أم لا لملف القدس أو اللاجئين أو ما إلى ذلك.
 
فإقرار ما يسمى بقانون تبييض أو تشريع الاستيطان العشوائي والذي تمت المصادقة عليه من قبل الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى، له دلالات وأهداف سياسية في أحسن الأحوال، وفي أسوئها بالطبع الذهاب به للقراءتين الثانية والثالثة، كذلك هو لا يعتبر مضاداً وخارجاً عن القانون الدولي، ولا يعتبر موقفاً مناكفاً ومعادياً للمواقف الدولية تجاه الاستيطان وحسب، بل إنه يقوم كما هو حال المحتالين الدوليين والمافيا العالمية التي تقوم بتبييض أموال التهريب السوداء، ذلك أن العالم كله والأمم المتحدة في مقدمته تعتبر الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية منذ الرابع من حزيران 1967 احتلالاً لأرض الغير بالقوة، وأن كل تغيير على معالم هذه الأرض هو فعل مناف للقانون الدولي، لذا فالعالم بأسره ضد الاستيطان، ولا يمكن لأحد أن يقر باحتفاظ إسرائيل بموقع استيطاني واحد، إلا إذا كان ذلك ضمن صفقة سلام ومن أجل السلام وبموافقة الطرف الفلسطيني.
 
إذن بغض النظر عن إذا ما كانت هناك مفاوضات سلام أم لا أو كان هناك اتفاقات أم لا، لا يحق لإسرائيل ولا بأي شكل من الأشكال لا أن تضم المستوطنات ولا أن تعتبرها شرعية، وليس الكنيست ولا القضاء الإسرائيلي يحق لهما أن يقوما بأي فعل مناف للقانون الدولي، فلا يعتبر أي فعل قانوني أو تشريعي إسرائيلي تشريعياً أو قانونياً إذا كان مناف للتشريع وللقانون الدولي.
 
إن هذه الخطوة الإسرائيلية وحدها، تكفي لتدفع الجانب الفلسطيني لأن يقوم ليس بفعل مضاد وحسب، وليس برد فعل من ذات المقدار والوزن، ومعاكس في الاتجاه وحسب، ولكن للبدء جدياً وعملياً برسم وتبني إستراتيجية كفاح وطني مختلفة، تبدأ بسحب الاعتراف بدولة إسرائيل أو على الأقل إرفاق الاعتراف بشرط أن يكون الاعتراف متبادلاً _ دولة بدولة وبحدود محددة، كذلك بالتوقف عن كل أشكال التعاون والتنسيق الأمني وحتى التوقف عن التبادل التجاري، والأهم إعلان أن المستوطنات على أرض دولة فلسطين المحتلة، هي مواقع احتلال عسكري، مستهدفة من قبل مقاومة الاحتلال بكل أشكالها السلمية والعسكرية.
 
لابد من الرد على "إسرائيل"، بالقول والعمل بأن شعار دولة فلسطين هو شعار كفاحي، وهو حق للشعب الفلسطيني، يمكنه أن ينتزعه انتزاعاً، ويمكن تحقيقه من خلال كل الوسائل والأشكال الممكنة، وليس من خلال المفاوضات وحسب، وإن انتزاع الحق الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة وتحرير أرضها من الاحتلال، ليس مشروطاً بالموافقة الإسرائيلية ولا يتوقف على الموافقة الإسرائيلية من عدمها.
 
إن الذهاب بهذا القرار الإسرائيلي إلى آخر مدى، يعني أن "إسرائيل" بدأت تفرض الحل من جانب واحد على الضفة الغربية، كما فعلت من قبل مع غزة العام 2005، مع ملاحظة أن الأمر أكثر خطورة هذه المرة، ذلك أن انسحابها من جانب واحد من غزة، كان تقريباً من معظم أراضي غزة، باستثناء شريط حدودي جعلت منه منطقة عازلة، فيما الأمر في الضفة مختلف، حيث إن ضم المستوطنات يعني ضم نحو نصف الضفة الغربية، ولعل التطرف الإسرائيلي الذي يجعل في نهاية المطاف من "إسرائيل" دولة داعشية _ أي دينية / طائفية متطرفة _ يدفع باتجاه ضم الضفة كلها حيث يؤيد ذلك نحو 44% من اليهود الإسرائيليين، مع رفض 48% من اليهود الإسرائيليين في الوقت ذاته منح الحقوق المدنية لمواطني الضفة في حال ضمها، أي أنهم يؤيدون دولة فصل عنصري "أبارتهايد".
 
أخيراً نقول: إن القرار المذكور يشكل الانقلاب الثالث الذي يحدث في "إسرائيل" بعد إقامتها العام 48، وبعد تولي اليمين الحكم العام 77، كما قال نفتالي بينيت والذي كان واضحاً في تفسير الأمر بقوله: إن "إسرائيل" تنتقل من مسار إقامة دولة فلسطينية إلى مسار فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، حيث اعتبر بحق أن قانون المستوطنات المشار إليه رأس حربة فرض تلك السيادة!