هل من متفائل حقيقي بحل الدولتين؟ وهل المتمسّكون بهذا الحل مقتنعون بأن من الممكن تحقيقه في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية؟ وهل هناك روح باقية في جسد هذا الحلم الذي غرقنا فيه منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، على الرغم من قناعاتنا المترسخة بأن ما هو قائم ليس إلى جثة متحلّلة؟!
كثير من المبادرات الغربية والعربية طرحت منذ نكبة فلسطين في العام 1948 وحتى اليوم، وقامت على أساس "حلم الدولتين"، وليس "حل الدولتين"، لأن قضية حل الدولتين برمتها أصبحت مجرد حلم نستيقظ لنجده هباءً منثوراً.
منذ قرار التقسيم (194) وهم يقدمون لنا مُسكِّنات الحل، لعلّ وعسى أن تحصل معجزة ما ويتحقق ما تتطلع إليه كثير من الأنظمة، للخلاص من تبعات القضية الفلسطينية المرهقة. وما بعد المبادرة العربية وأوسلو وخارطة الطريق وليس آخراً المبادرة الفرنسية، أصبحنا لكثرة هذه المبادرات كالجواميس التي تدور حول الساقية دون أن ترى شيئاً سوى الدائرة المغلقة التي تسير حولها، وهي تعتقد أن مسيرتها طافت العالم كله.
الفلسطينيون وقيادتهم لم يطلقوا النار على حل الدولتين، بل على العكس، القيادة ما زالت على مواقفها المعلنة متشبّثة بهذا الحل بكل ما لديها من قوة، إن ظلت هناك قوة تمسّكٍ أصلاً، لكن اليمين الشعبوي في إسرائيل ورافع شعار حل الدولة اليهودية على أرض الميعاد المسيطرة سياسياً على ما بين النيل والفرات هو الذي تحدى العالم الغارق في كثير من مشاكله وأطلق النار على حل الدولتين.
نفتالي بينت، زعيم حزب البيت اليهودي، يعبّر اليوم عن هذه الحقيقة عندما يؤكد دفن حل الدولتين، وأن الواقع الجغرافي والديمغرافي وسياسة الأمر الواقع التي خلقتها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أنهت وإلى الأبد حل الدولتين، داعياً الحالمين إلى الاستيقاظ من حلمهم.
تشريع البؤر الاستيطانية، وانفلات عقال الاستيطان في أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، ومجموعة التشريعات التي تنتظر الإقرار من الكنيست هي خارطة طريق حقيقية لما سيكون عليه مستقبل الأراضي الفلسطينية، أما خارطة الطريق الدولية فقد دمرت منذ فترة طويلة، وشيّعت إلى مقابر التاريخ.
الخطر اليوم يتمثل في قدرتنا على التصدي للطروحات الإسرائيلية لحل الدولة وفق المنظور الصهيوني، نحن مع دولة ديمقراطية لكل سكانها، دولة واحدة على أرض فلسطين تمثل كل من هو موجود مع وقف الهجرات اليهودية.. مساواة حقيقية واختيار حقيقي... حتى ولو كنا أقلية لفترة محدودة من الزمن؟!
ولكن الخطر أن إسرائيل لا تبحث عن حل دولة واحدة قائمة على المفهوم السابق، وإنما عن دولة يهودية بكل معنى الكلمة، كل من فيها ولا يحمل صفة اليهودية مجرد طارئ، أو مؤقت يجب التعامل معه فقط كمقيم لفترة محددة.
أصبح واضحاً أن كل ما تفكر فيه دولة الاحتلال هو خطوة متقدمة تتمثل في ضم معظم أراضي الضفة الغربية إلى ما يسمى السيادة الإسرائيلية (وهنا نعني كل مناطق "ج" وجزءاً من مناطق "ب" حسب تصنيف اتفاقية أوسلو المشؤومة شبه الخالية من السكان الفلسطينيين)، وإبقاء المدن الفلسطينية والقرى الكبيرة تحت سلطة حكم ذاتي ليس أكثر، ستظل مسؤولة عن الخدمات الأساسية، وبعض الصلاحيات المحدودة في كيفية التعامل مع الخارج. ولن يكون هناك حل إسرائيلي أكثر من هذا.
من لا يصدق هذا الحل، فليتجوّل في الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها ليتأكد من أن الواقع على الأرض مخالف لكل التصورات العربية والدولية وحتى الفلسطينية. هناك مناطق واسعة وخاصة في محافظة سلفيت الاستيطان والتهويد هو المسيطر عليها بشكل كامل، والمستوطنات هي الأكثر... أما القرى الفلسطينية فأصبحت مجرد بؤر محاطة بمجمعات استيطانية، والمعالم الفلسطينية والعربية تختفي شيئاً فشيئاً.
في نهاية الأمر الاحتلال اغتال متعمداً حل الدولتين، وفصّل حل الدولة الواحدة على مقاسه دون أن يكون للفلسطينيين دور فيه. فيما نحن ما زلنا نبحث عن مصالحة لم تعد أولوية عند الكثيرين، فيكفي إدارة الانقسام.. خلافاتنا التنظيمية والسياسية والعشائرية أكبر من قدرتنا على التصدي لواقع ربما غاب عنا حين كنا نحلم في نومٍ طويل عن حل الدولتين... اقتربنا من أن نستيقظ من سباتنا الشتوي الطويل ضعفاء، إلاّ إذا كان هناك تغيير حقيقي في استراتيجياتنا حول مفهوم الحل السياسي؟!