التلاعب غير الذكى بالمصطلحات

thumbgen (50)
حجم الخط
 

ظل حكام مصر السابقون على 30 يونيو يتلاعبون بالمصطلحات خاصة بمصطلح «العدل الاجتماعي» واليوم ارتاحت حكومتنا إلى مصطلح جديد لصندوق النقد الدولى يدوس على كلمة العدل ويحل محلها «الحماية» والفارق كبير بين المصطلحين خاصة فى مجال التطبيق العملي، فالحماية الاجتماعية قد تأتى لإيجاد مساكن لإيواء مواطنين مهددين بسقوط صخور على منازلهم كما فى منشية ناصر وهذا واجب حتمى لكنها إذ تحقق حماية لا تحقق عدلا.. فيبقى الفقير جائعا والمتعطل بلا عمل والمريض بلا علاج. وفى كل الأحوال فإن التلاعب القديم والمزمن بمصطلح العدل يتساوى مع التحول الحديث إلى مصطلح «الحماية» بينما يبقى الهدف الحقيقى والحاسم لتحقيق العدل غائبا.

فماذا يعنى «العدل الاجتماعي»؟ يعنى بالتحديد ودون الخضوع لمراوغات السادة وخداعهم تحقيق مصطلح آخر أكثر صراحة وهو «الإشباع» والإشباع وحتى فى حده الأدنى يعنى توفير الاحتياجات الأساسية لمجموع الشعب خاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة. والأمر هنا لا يعنى مجرد توفير الأطعمة الأساسية (سكر- زيت طعام- خبز- فول- خضراوات..إلخ) وإنما يكون الإشباع بتوفير ما هو لائق ولو بحده الأدنى من مسكن وملبس وخدمات صحية وتعليمية ووسائل انتقال، ويزيدون عليها وفق التعريف العالمى آليات للترفيه والمعرفة والعيش المريح والسعيد، ولكننا لسنا «طماعين» إلى حد المطالبة بالعيش السعيد فقط نريد توفير حد الكفاف للفقراء وحد الاستقرار للطبقة الوسطى التى تفتقد هى أيضا أبسط أوليات الاستقرار (علاج صحى حقيقي- تعليم حقيقى مجانى أو شبه مجاني- ملابس- انتقالات لائقة- ترفيه فى أقل الحدود) وهو افتقاد يتفاوت بطبيعة الحال باختلاف المستوى الاجتماعى والوظيفى لأبناء هذه الطبقة المتسعة التمثيل والتى تتفاوت تطلعاتها وإحساسها بالإشباع أو بالحد الأدنى منه، وثمة دراسة تؤكد أن نسبة الأشخاص الذين يحتاجون إلى تصحيح أوضاعهم الاجتماعية عبر زيادة حالة الإشباع لتصل إلى حدودها الدنيا تصل إلى نحو 70% الأمر الذى يؤكد ضرورة بناء استراتيجية واضحة المعالم تستهدف تصحيح أوضاع توزيع الدخل القومى بحيث تستطيع هذه النسبة من السكان العيش اللائق، أو حتى الحد الأدنى لهذا العيش. وهذه النسبة كانت قبل القرارات الأخيرة بتعويم الجنيه المصطحب بإغراق هؤلاء الـ70% بما يتطلب سرعة البدء فى ترتيبات وإجراءات واضحة وحاسمة وصريحة تنظر فى شكل من أشكال إعادة توزيع الدخل القومي. وأعتقد أن هذه العبارات والخاصة منها بالعدالة الاجتماعية وشبه الإشباع لن تعجب عددا من الوزراء ليس لأن قلوبهم صخرية- فهذه تهمة غليظة. وإنما لأنها تهدم مجمل البناء الفكرى الذى أقاموا عليه سياستهم الاقتصادية والاجتماعية، والذى يتمادون فى جر الحكومة والحكم نحو تطبيقها بحجة أنها دواء مر يجب تناوله بينما هى دواء مسموم ليس فقط لأنه ظالم وإنما لأنه يهز الاستقرار وبعنف، ومرة أخرى أقرر وأكرر أنه بلا ضمان لاستقرار فعلى فإنه لا استثمار مصريا ولا عربيا ولا عالميا فما من رأسمالى مجنون يأتى بأمواله حيث لا ضمان ولا استقرار دائمين. وبالمصادفة عثرت خلال كتابتى هذه على تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك المستشار جودت الملط وأنقل منه نصا عبارة تقول «إن بعض المسئولين بالدولة لا يأخذون الأمور الحياتية للناس بالجدية المطلوبة وغير قادرين على التنبؤ بالمشكلات، وعاجزون عن مواجهة المواقف والأزمات والتصدى للمشكلات العامة، ويفتقدون القدرة على المبادأة وليس لديهم القدرة على العطاء والإبداع» هذه العبارة لم تزل معلقة فوق رءوسنا إذ إن تجاهلها قد أودى بمجمل نظام فقد القدرة على اكتساب رضاء الجماهير. وأذكر السيد رئيس الوزراء بأن أى حكومة لا تستطيع أن تكتسب رضاء الشعب بمجرد تصريحات عرجاء ووعود لا تتحقق فالمعاناة اليومية تكشف حقيقة الواقع. كما أن الحكومة لا تستطيع أن تغير الشعب فهو باق والحكومات تتغير.
هل سمعتم «الشعب باق والحكومات تتغير». ويحاول البعض من متفلسفى النظام إشهار مصطلح آخر هو «التساقط» وبهذا الشعار الخائب يبررون تراكم الثروات فى أحضان حفنة محدودة من كبار كبار المليارديرات مؤكدين أن فائض هذه الثروات لا يلبث أن يتساقط مطرا سخيا على طالبى زالإشباعس فتنهال تبرعاتهم ومشاريعهم الخيرية وإنعاماتهم على الأرض المصرية.. يقولون ذلك ويضربون أمثلة بروكفلر وبيل جيتس وما بنى من جامعات ومستشفيات وما كان من تبرعات، ناسين أننا هنا فى مصر نتعامل مع رأسمالية هى فى أغلبها ترفع شعار «البحر يحب الزيادة» وأننا مع طول الممارسات ندرك أن «الحداية مابترميش كتاكيت» وأن غربان المستثمرين لا تهتم لا بوطن ولا بشعب ولا باستقرار ولا بعدل فقط بأكوام أموال ينهبونها. وأقول إن مصر كانت ولم تزل مستباحة لهم.. وهم باقون ولن يرحلوا لأن أى بلد آخر به ضرائب تصاعدية قاسية وبه قواعد للاستثمار تضع الأرباح فى إطار يتراوح بين 5 و 7 % أما عندنا فإن مستثمرى الكومباوندات مثلا يكسبون فى خبطة واحدة ما يزيد على 100% أو حتى 200% ويسعون نحو المزيد.

.. وإذ أختتم لكى لا أزيد الناس دهشة مكتئبة أؤكد «الشعب لا يتغير ولكن الحكومات هى التى تتغير».