جريمة الخميس هزت أركان المجتمع الفلسطيني، مع أنها إمتداد للثقافة السائدة والعادات والتقاليد والثأر والانتقام اعتقادا من الذين نفذوها انها ستشفي غليلهم وتطفئ نيران الثأر بقتل أنفس بريئة لا علاقة لها بالقتل، وانتهاكا لسيادة القانون، وتغلغل جذور العنف في صدور وعقول الناس وأخذ القانون باليد وسطوة القبلية والعشائرية والعائلية، وسيادة ما يسمى عدالة الشارع والمطالبة بالقصاص السريع من الجناة. فالجريمة أياً كانت تعمل على زعزعة أركان المجتمع ونسيجه الاجتماعي وتفقده الثقة بالمرجعية السياسية الحاكمة وغياب الأمن والامان. والتحدي الكبير في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم وحالات الثأر وزيادة عدد الجرائم المرتكبة في غزة ليس امام حركة حماس وحدها كونها من يحكم غزة، إنما يتحمل المسؤولية الجميع، غير ان حركة حماس مطالبة في الوقت الحالي تطبيق القانون وأي إجراءات تتخذها في إلقاء القبض على المشتبه بهم يجب ان تتم وفقا للقانون وعدم التعاطي برد الفعل كي تثبت هيبتها، فالهيبة هنا هي للقانون. من خلال متابعتي صفحات الفيسبوك أمس واليوم لإستطلاع أراء الناس وردود أفعالهم على الجريمة، لاحظت ان معظمها كان عنيفا وثأرياً كما هو حال من ارتكب الجريمة، ربما تأثر الناس ببشاعة الجريمة ومشهد القتلى وهم مضرجون بالدماء خاصة ان لا علاقة لهم بارتكاب جريمة القتل السابقة، غير ان ذلك ليس مبررا ان يأخذ الناس ايضا القانون بايديهم ومطالباتهم الجهات المسؤولة في غزة بالانتقام فورا من المشتبه بهم، وان يكون الرد غير تقليدي كما ذكر البعض، ماذا يعني غير تقليدي؟ هل يعني ان يعتقل جميع أفراد عائلة المشتبه بهم مثلا واعتقالهم ونفيهم؟ وهناك من طالب بالإعدام فورا والقصاص من دون محاكمة ومن دون اي إجراءات قانونية، ومنهم من وجه الاتهام للقضاء بالقصور والتكاسل وعدم الفصل في القضايا بسرعة، وغيرها من المطالبات والاقتراحات والاتهامات. من حق الناس مطالبة الجهات المسؤلة بوقف العنف والحد من الجريمة ومنعها قبل حدوثها ومن حقهم ان يشعروا بالامن والامان وتطبيق القانون من دون تمييز ومساواة كي تسود العدالة. حركة حماس موقفها صعب وحملها كبير في هذه الجريمة وغيرها، والحكومة في غزة فشلت في تطبيق القانون وعدم منع هذه الجريمة، صحيح انها حاولت وعن طريق جهات او لجان الصلح التقليدية بتطويق الجريمة الاولى التي نتجت عنها جريمة الامس، لكن هذا لم يكن كافيا في ظل الثقافة السائدة والعادات والتقاليد البالية وفي جرائم خطيرة لم يعد مكان لما يقال في طقوس الصلح عن قيم التسامح، مع أهمية تلك الجهات لكن بوجود حكومة ومرجعية سياسية هي المسؤولة عن تنفذ وتطبيق القانون وسطوته بالإجراءات الوقائية قبل وقوع الجريمة وبعد وقوعها، والقضاء او الحد من الثقافة السائدة وإنهاء النزاعات والعنف في مجتمعنا الفلسطيني. يوم بعد الاخر يتأكد لنا كم نحن بحاجة الى سيادة القانون وكم نحن بحاجة الى حكومة قوية وقضاء مستقل واجهزة أمنية وشرطية تطبق القانون وتمثل مرجعية للكل الفلسطيني. لن تكون هذه الجريمة الاخيرة، طالما بقيت هذه الثقافة والفقر وآفة العنف، فالمحزن المبكي هو استمرار العنف والجريمة من دون ان نتمكن من وقفه حتى الان او الحد منه. ومع كل جريمة نبدأ بالجدل وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات وعلى الرغم من حال الانقسام الا اننا نحن الفلسطينيون في قطاع غزة لدينا حكومة وان اختلفنا عليها ومعها، ونتمنى ان يكون شعار الأمن والامان حقيقيا وإنهاء الانقسام، فجميعنا عليه مسؤولية لإنهاء العنف، وان تسود بيننا روح الجماعة الوطنية، فنحن كجماعة وطنية علينا المساهمه في الحفاظ على الحد الأدنى من روح الجماعة لمواجهة الانقسام والعنف والحد من جرائم القتل شبه اليومية سواء كانت على خلفية الثأر والثقافة السائدة والعادات والتقاليد البالية، او على خلفية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة من الفقر والبطالة والحرمان جراء الانقسام والاحتلال والحصار.