هل تستعيد بريطانيا نفوذها في الخليج؟!

هاني حبيب
حجم الخط

حدث انقلاب كبير في السياسة الدولية حول الشرق الأوسط قبل ستين عاماً بالتمام والكمال، وتجاوز هذا الانقلاب الشرق الأوسط إلى التأثير على انقلابات دولية أخرى، لعلّ أهمها سياسة "الحرب الباردة"، نقصد هنا العدوان الثلاثي، البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي على مصر، ونقول انقلاب لأنه أرّخ لمرحلة سياسية جديدة على النطاق العالمي انطلاقاً من الشرق الأوسط، فقد كان من نتائج هذه الحرب وإفرازاتها، استبدال الولايات المتحدة، كمؤثّر أساسي على الشرق الأوسط بديلاً عن الدور الاستعماري التقليدي لكل من فرنسا وبريطانيا، وقفت الولايات المتحدة مع مصالحها ورفضت هذه الحرب وأدانتها لخشيتها من تزايد الدور العروبي المؤثر لجمال عبد الناصر، في وقت ظهرت فيه الأنظمة العربية الموالية للغرب في عزلة تامة، وأحد دوافع هذا الموقف الأميركي الذي قاده الرئيس الأميركي ايزنهاور ووزير خارجيته دالاس، عدم دفع العرب نحو الاتحاد السوفياتي بعد الحرب الثلاثية، وباتت أميركا بديلاً عن الاستعمار التقليدي الذي تمثل في فرنسا وبريطانيا، وبديلاً أفضل من الاتحاد السوفياتي مع بدايات "الحرب الباردة".
أعود لهذا التاريخ، لأننا نشهد هذه الأيام شيئاً مماثلاً عنوانه الأساسي، ضمور الدور الأميركي وتراجعه في المنطقة، لصالح بديلين ـ هذه المرة ـ روسيا من جهة، وبريطانيا من جهة أخرى، الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، أعلن عن عناوين سياسته في الشرق الأوسط بشكل عام، وما يهمنا في هذا السياق، موقفه من دول الخليج العربية، فهو لن يبقى حامياً لها مجاناً، وعليها أن تدفع ثمن حمايتها، موقفه من الأزمة السورية يفترق تماماً عن سياسة هذه الدول التي دعمت فصائل الإرهاب العاملة على الأرض السورية.
ترامب بهذا الصدد، يترجم على طريقته ما أدت إليه السياسة الأميركية في المنطقة العربية في الولاية الثانية للرئيس المنسحب اوباما، عندما فشلت هذه السياسة في التعامل مع أزمات المنطقة، خاصة في سورية والعراق، ثم في ليبيا واليمن، تعاون نسبي بين بوتين واوباما يشوبه الخداع والحذر، بينما العلاقات الأكثر نضجاً وروية للمصالح بين بوتين وترامب، تبدو واعدة أكثر للتأثير على مستقبل الخارطة السياسية للمنطقة.
ولعلّ هذا ما يفسر استضافة القمة الخليجية المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة قبل أسبوع، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في سابقة لها دلالاتها العديدة، صحيح أن علاقة بريطانيا مع دول الخليج العربية قوية مالياً وتسليحياً واقتصادياً، إلاّ أن الأمر بات يتجاوز كافة هذه المجالات، الأمر يتعلق ببديل لا بد منه من الانسحاب التدريجي المحتمل من الدور الأميركي في هذا المجال، دول الخليج العربي ربما تجد في بريطانيا البديل الذي لا خيار غيره للقيام بهذا الدور.
وكان يمكن أن يظل هذا "التأويل" لهذه المشاركة البريطانية في اجتماعات قمة مجلس التعاون الخليجي مشكوكاً به، لولا تداعيات في ذات السياق، كشفت عن أن هذا التأويل في محله وهو التفسير الأكثر دقة لهذه المشاركة، ونقصد بذلك ما أثارته تصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والتي من شأنها أن تكشف المزيد من التداعيات، مع بوادر انقلاب داخلي بريطاني على خلفية تأثير تصريحاته على الدور المرسوم لبريطانيا في منطقة الخليج العربي.
فقد تصاعدت ردود الفعل لدى الطبقة السياسية البريطانية، إثر تصريحه الذي قاله فيه إن "السعودية وإيران تحركان الدمى وتشعلان حروباً بالوكالة"!!
وتم اتهامه على نطاق واسع بأن تصريحه متعمد للتخريب على مشاركة "ماي" الناجحة لمجلس التعاون، واستباقاً لدور محدد لبريطانيا يأخذ أبعاداً تتجاوز العلاقات التقليدية بين الجانبين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الاتهام، بل طولب بالاستقالة لإفساح المجال أمام دور فاعل ونشط لبريطانيا في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً، لأن جونسون بات خطراً على تنفيذ هذه السياسة التي تتطلع لها بريطانيا.
الأهم من ذلك، أن جونسون أحد أكبر صقور حزب المحافظين، وهو الذي قاد الحملة البريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي، ويطمح إلى أن يطرح نفسه للانتخابات البرلمانية القادمة بديلاً لماي التي وصلت إلى رئاسة الوزارة كبديل وليس من خلال صناديق الاقتراع. إذا ظل جونسون في منصبه، فإنه سيصبح أكر قوة، وربما يصل إلى رئاسة الحكومة في الانتخابات البرلمانية القادمة، ويصبح نموذجاً للرئيس الأميركي المنتخب ترامب حول السياسات المرسومة لعلاقاتها بدول الخليج العربي، وهنا الطامة الكبرى كما يرى معظم الساسة البريطانيين الذين استبشروا بدور بديل لأميركا في الخليج العربي.
الانتقادات في الأوساط السياسية البريطانية للسعودية مستمرة، لكنها لا تظهر إلى العلن كما هو الحال مع تصريحات جونسون، أقلها بسبب تبادل تجاري بين لندن والرياض بلغ سبعة مليارات جنيه استرليني.
الصحافي في إذاعة "بي بي سي" جيمس اوبراين، وصف السياسة البريطانية بالنفاق، وإذا كان الأمر كذلك، يقول اوبراين "إن اكثر ما تحتاجه وزارة الخارجية البريطانية هو النفاق"!!