بشكل عام، تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الحدث "الهام والخطير" بسخرية لاذعة، إلاّ أن بعض الكتّاب والمحلّلين لم يكتفوا بهذا القدر من التعليق والسخرية، وتناولوا هذا الحدث بالتحليل وباتخاذ مواقف، عندما أشار البعض منهم، الى أن هذه الطائرة المكلفة، وحيث من المفترض أن هذه الصفقة تتضمن 50 طائرة أخرى، تصل نماذجها إلى الدولة العبرية بعد يومين فقط من نشر تقرير رسمي يشير إلى أن ثلث الإسرائيليين فقراء، رغم وعود الرفاهية الباهتة... إلاّ أن الأمر الأكثر دهشة بالنسبة لهؤلاء هو الإجابة على السؤال الأكثر أهمية: هل إسرائيل بحاجة حقاً إلى هذه الطائرات؟!
الجواب جاهز وواضح، من قبل هؤلاء، إسرائيل فقدت قدرتها على الاستمرار في رفع شعار الضحية، عندما كانت تعيش وسط أجواء معادية، تهددها وجودياً وخطر التلاشي كدولة، باتت إسرائيل أكثر قوة ومنعة على مستوى الإقليم والعالم، العالم العربي يتحلّل وينهار من حولها وهي تزداد تأثيراً على الخارطة السياسية والأمنية، وبدلاً من رغبتها الدائمة سابقاً بمد يد السلام إلى الجيران ـ كما يقولون ـ بات العرب أكثر إلحاحاً على التعاون معها، سراً وعلانية، الميزان العسكري مائل بالمطلق لصالحها، ليس هناك من توازن على الإطلاق ولا مجال للمقارنة، الجيوش العربية انهارت وما تبقى منها عاجز عن مواجهة الإرهاب الداخلي، هذا بعد أن عقدت إسرائيل اتفاقيات السلام مع الأردن ومصر، سلاح الجو الإسرائيلي هو الأقوى في كل المنطقة، حتى بالمقارنة مع تركيا وإيران، من حيث العدة والعدد والخبرة... وباختصار، فإن الطائرات المتلصصة هذه "قد تعزز من قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، ولكنها لن تغير ميزان القوى في المنطقة" حسب الكاتب الصحافي في "معاريف" بن كسبيت ـ ومع أن الكاتب تناول بتعليقه حقائق الوضع الراهن الذي تنغمس إسرائيل في وسطه، إلاّ أنه لم ينس لغته الساخرة.
.. كان الجميع بانتظارهما، إلاّ أنهما تأخّرتا أكثر من خمس ساعات، ترك معظم المدعوين المكان، ساحة مطار الثكنة العسكرية "نيفاطيم" في شمال النقب، بينما لم يتمكن رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الدفاع من ترك المكان، بانتظار الطائرتين الأحدث والأغلى في العالم.. وصلت الطائرتان في نهاية الأمر، وخطب الزعماء الثلاثة أمام كراسي فارغة تمتع المصورون وهم يأخذون صوراً عديدة من زوايا مختلفة للكراسي المصطفة بانتظام وهي فارغة، صور هذه الكراسي في وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية كانت أكثر من صور الطائرتين، و"الصورة الإعلامية" عادة ما تضاف لتوضيح النص المكتوب أو الخبر المذاع، لكن هذه المرة، اتخذت وسائل الإعلام طريقة فريدة في مدرسة التحرير الصحافي، فالصورة كانت أساس الخبر، أما النص أو الخبر المذاع فجاء ليفسر الصورة.
إن كل طائرة تكلف حوالي نصف مليار شيكل، وهي أحدث طائرة في العالم، مع ذلك، فإن بعض الضباب حال دون تحليقها في أجواء إيطاليا، حيث كانت تنتظر، الطائرة مزودة بأحدث ما يمكن أن يتوصل له العلم في هذا المجال، مع ذلك فإن طائرات أقدم، مثل اف ـ 15، واف ـ 16، كانت تحلق في وسط الضباب، وتقوم بغارات وهمية في أجواء قطاع غزة، الطائرتان من نوع "أدير" أي "المتملصة" من الرادار، لم تتمكن من التملص من الضباب، طائرة هي الأحدث، والأغلى. والأكثر حرجاً عندما استقبلها حشد كبير من الكراسي الفارغة المصطفة، وحتى أن بعض الضيوف المدعوين تركوا الكتيب الذي تم توزيعه عليهم والمتضمن صور ومزايا الطائرة الأحدث، على بعض الكراسي الفارغة، وكان بعض هؤلاء قد قال ضمناً: "بضاعتكم رُدَّت إليكم"! من صور الكراسي الفارغة فقال: "اتركوا الاحتفالات لجيراننا" وربما نسي أن يكمل الجملة بالقول: "إنهم أكثر مهارة منا في مثل هذه الاحتفالات الاستعراضية".
نتيجة للتكلفة العالية من طائرات "الشبح" وهو الاسم الأميركي، و"أدير" العبري بمعنى المتلصصة، فإن الشركة المنتجة أنتجت أنواعاً متفاوتة منها، ما تسلمته إسرائيل في إطار الصفقة ذات الخمسين طائرة من النوع الذي يقلع ويحط بشكل تقليدي، بينما النموذج الأفضل من هذه الطائرات يحط ويقلع بشكل عمودي، وهو ليس بحاجة الى مهبط طويل مرصوف، سواء على أرض المطارات أو حاملة الطائرات.
كما أن هناك مشكلة تتعلق بالصيانة ومراكزها، حاولت إسرائيل، كدولة مشترية لهذه الطائرات، أن يكون هناك مركز للصيانة لديها، غير أن ما تم التوصل إليه حتى الآن هو توزيع مراكز الصيانة على عدة دول ليس من بينها إسرائيل، وحسب التخصصات، جسم الطائرة في إيطاليا، صيانة المحركات في تركيا، وصيانة الأجهزة الإلكترونية ـ التي كانت تريدها إسرائيل ـ في بريطانيا.. حسب المحلّلين الإسرائيليين، فإن الدولة العبرية لن تلتزم بهذا التقسيم الوظيفي!!
إلاّ أن إسرائيل تسهم في بناء بعض أجزاء جسم الطائرة، كأجنحتها وخوذتها الأساسية، وبذلك تسترجع بعض ما دفعته من ثمن الطائرات، إضافة إلى أن ما تدفعه هو بالمحصلة النهائية من المعونات العسكرية الأميركية.
من يتحدث عن ميزان القوى، مثل بن كسبيت، ربما ينسى أو يتجاهل ما أشار إليه نتنياهو في خطابه أمام الطائرتين والكراسي الفارغة، تحدث عن زعامة إسرائيل، ليس على مستوى الإقليم، ولكن العالم، هذه الطائرات أحد عناصر هذه الزعامة!!