جولات مكوكية كثيرة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى دول حليفة وأخرى يطرق بابها لأول مرة بهدف توسيع العلاقات الدولية لإسرائيل التي عانت في الفترة الأخيرة من مواقف دولية سلبية على خلفية موقفها من الدولة الفلسطينية وعدواناتها المستمرة على الشعب الفلسطيني.
قبل الحديث عن جولة نتنياهو الخارجية، ينبغي التأكيد هنا على أن تل أبيب لا تعاني من عزلة دولية ولا ما يحزنون، وهي تقيم علاقات طبيعية مع دول كثيرة حول العالم، كما أنها تُصدّر كل ما تشاء من صناعاتها وزراعاتها وسياساتها إلى تلك الدول.
زيارات نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وتوجهه شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً، يأتي في إطار حرص إسرائيل على تجديد علاقاتها مع دول العالم، واكتساب علاقات جديدة تصب إيجاباً في المصلحة الإسرائيلية.
لقد ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الصين والهند ودول إفريقية كثيرة، وحطّ في موسكو ومن حولها من الدول القوقازية والآسيوية، ولا يقتصر الأمر فقط على تحسين الاقتصاد الإسرائيلي وإيجاد أسواق خارجية لتصدير البضائع، أو حتى استيراد ما يلزم من الاحتياجات، إنما الأمر يتجاوز البعد الاقتصادي.
إسرائيل تطمح إلى لعب أدوار كثيرة على الساحة الدولية، إن في الجانب السياسي والتفاعل مع الدول، أو على الجانب الاقتصادي والتجاري، ذلك أنها بتحسين علاقاتها الدولية، تضمن بذلك تفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط واستئسادها في المحيط الإقليمي.
اليوم إسرائيل لا تخاف الدول العربية أبداً، ولا تقيم لها حساباً على اعتبارات كثيرة، أولها دخولها في علاقات طبيعية من فوق الطاولة ومن تحتها مع عدد من الدول العربية، وثانياً خروج دول ما يسمى بالممانعة من حسبة الدول القوية مثل سورية، وهذه بالكاد قادرة على "خرمشة" إسرائيل.
الدولة الوحيدة التي تنظر إليها إسرائيل بقلق شديد هي إيران، ولذلك تسعى تل أبيب كل الوقت إلى تحصين وضعها العسكري وضمان تفوقها، وتفعل المستحيل من أجل إفشال الاتفاق الذي وقعته إيران مع دول الخمسة زائد واحد قبل أكثر من عام.
لهذا السبب وأسباب أخرى، تأتي زيارة نتنياهو إلى كل من أذربيجان وكازاخستان، فهي زيارة تعكس حرص الحكومة الإسرائيلية على توسيع مظلتها الدولية، لتشمل دولاً إسلامية وغير إسلامية، وهي زيارة تعكس قبض أثمان كثيرة ووضعها في السلة الإسرائيلية.
في أذربيجان أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية أن زيارته تأتي لتوطيد وتجديد العلاقات مع هذه الدولة التي تزود تل أبيب بحوالي نصف احتياجات الأخيرة من النفط، أضف إلى ذلك أن إسرائيل تُصدّر أسلحة ومعدات عسكرية وأمنية لأذربيجان بلغت حوالي خمسة مليارات من الدولار في العقد الأخير.
خلال زيارته تمكّن نتنياهو من إقناع الرئيس إلهام علييف بشراء منظومة القبة الحديدية التي طورتها إسرائيل ونشرتها في محيط غلافها الجغرافي لصد قذائف المقاومة الفلسطينية أو أي قذائف وصواريخ موجهة من حزب الله اللبناني أو تهديدات أخرى.
الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ التي اشترتها أذربيجان، تندرج ضمن سعي إسرائيل لتحصين باكو من أي مخاطر تهددها، ويبدو أن نتنياهو قبل أن يبيع تلك الصواريخ سوّق للرئيس الأذربيجاني البعبع الإيراني الذي يرغب في تنمية قوته العسكرية على حساب جيرانه.
ومنها إلى كازاخستان طار نتنياهو وهو أول رئيس وزراء يزور هذا البلد الذي كان ضمن الاتحاد السوفييتي قبل انفراط عقده، وهناك التقى بالرئيس نور سلطان نزار باييف، وجرى تبادل المنافع الاقتصادية والتجارية، ومن بينها تمكين كازاخستان من الحصول على أسلحة إسرائيلية متطورة.
زيارة نتنياهو إلى أستانة لم تأت من فراغ، فهو لديه علم أن كازاخستان ستتولى مقعداً في مجلس الأمن الشهر المقبل، وتل أبيب دعمت بقوة ترشح هذا البلد لعضوية مجلس الأمن بطبيعة الحال عضوية غير دائمة، لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية يرى في كازاخستان نافذة لدعم إسرائيل في هذا المحفل الدولي.
أضف إلى ذلك أن العلاقات التي ينسجها نتنياهو مع كازاخستان، تُحصّن بلاده شيئاً فشيئاً من طرح أي مشاريع قرارات تضر بسمعة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، ولذلك فإن سياسة الحكومة الإسرائيلية خصوصاً على جانب المحفل الدولي تستهدف تقليل الأعداء وتدعيم العلاقات مع الأصدقاء.
على كل حال لقد أبلغ نتنياهو الرئيس الكازاخي أن إسرائيل تطمح إلى الفوز بمقعد في مجلس الأمن عام 2019 بمساعدة أستانة، وأبلغه أيضاً أن تل أبيب تفكر في عقد شراكة ثلاثية تشمله مع تركيا وأذربيجان، بهدف مد أنبوب للغاز من آسيا إلى أوروبا يُسهّل على إسرائيل تصدير الغاز الذي سطت عليه في البحر الأبيض المتوسط.
الرسالة التي نقلها رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى باييف لينقلها بدوره إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي سيزور أستانة قريباً، مفادها أن إسرائيل دولة قوية وأن الإيرانيين لا يعرفون مع من يتعاملون، وطهران تضع نفسها في موقف خطير حين تهدد تل أبيب بالزوال.
هذه الرسالة من كازاخستان إلى طهران، هي استباقية كون أن نتنياهو خطط للزيارة قبل روحاني، إلى جانب أنها تحمل موقفاً إسرائيلياً يدعو دول آسيا الوسطى والدول القوقازية الملتحمة مع إيران إلى شيطنة هذا البلد والتحوط البالغ منها، ومساندة إسرائيل سياسياً ودولياً على حساب طهران.
ثم هناك رسالة بالغة الأهمية من نتنياهو إلى الفلسطينيين، تتصل بأنه ماضٍ في إضعاف التحركات الفلسطينية الدولية، والانفتاح على الخارج لإفشال الحقوق الفلسطينية، ومثل هذه المقابلة في الانفتاح على الآخر تستدعي التأمل فيها، خصوصاً وأن الفلسطينيين يطرقون العالم بدون ظهر ولا حتى نخاع شوكي.
القصد من ذلك أن السياسة الفلسطينية الخارجية في ظل انقسام داخلي تجعل الفلسطينيين مكشوفين أمام العالم، لأن الأخير ليس أحمق ويدرك أن أي مطالب فلسطينية مشروعة ينبغي أن تتحقق بوحدة الشعب والمصير وليس تفتت الشعب والمصائر.
هذه نقطة تُسجّل في صالح السياسة الخارجية الإسرائيلية، التي بادرت إلى إجهاض عقد مؤتمر للسلام كانت تعده فرنسا، لأنها لا تريد للملف الفلسطيني أن يُدوّل، بل يظل تحت سيطرتها المطلقة وقادرة على اللعب فيه كما هو حال كرة القدم.
نتنياهو يعمل لصالح السياسة الإسرائيلية، فهو منسجم بين تحقيق مصالح شخصية وأخرى عليا تعود بالمنفعة على الدولة العبرية، بينما القيادات الفلسطينية ومع الأسف الشديد، لا تنظر أكثر من تحقيق مصالحها الشخصية، ومن ثم تفكر في فلسطين والأمر يعود للوقت والمزاج.