هل تُنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟!

عبد الناصر النجار
حجم الخط

مع تعيين المحامي اليهودي ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، أصبحت الرؤية واضحة فيما يتعلق بـ"جدلية" نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
فريدمان يعتبر نفسه إسرائيلياً أكثر من الإسرائيليين وحتى مستوطناً أكثر من المستوطنين... فهو يرى أن الاستيطان ليس شرعياً فحسب، وإنما يجب توسيعه ليشمل كل بقعة جغرافية في "أرض إسرائيل" على حد تعبيره. وينتظر بفارغ الصبر أن يقوم بعمله من السفارة الأميركية في "العاصمة الأبدية لإسرائيل".
فريدمان المرتبط بعلاقات وثيقة مع قادة المستوطنين، كان أحد المستشارين الأساسيين لحملة ترامب الانتخابية، وقام بتوجيه ترامب نحو إطلاق تصريحاته المؤيدة والداعمة بشكل مطلق لإسرائيل.
فريدمان يطالب، أيضاً، بعدم إخلاء المستوطنين، على اعتبار أن أي عملية إخلاء لمستوطنين يقيمون في الضفة "عنصرية ولاسامية" وتصل حد التطهير العرقي لليهود، لأنها تتعارض ومفهوم الحق التاريخي لهم في "أرض الميعاد".
وحتى عن "حل الدولتين"، ينتقد فريدمان الإدارة الأميركية الحالية التي لا تنتقد المواقف الفلسطينية من هذا الحل. الفلسطينيون على حد تعبيره يريدون دولتين: الأولى، فلسطينية نقيّة لا يوجد فيها غير العرب، والثانية، ثنائية القومية هي إسرائيل يوجد فيها العرب واليهود، وهذا أمر مرفوض وغير ديمقراطي، على حد تعبيره.
المستوطنون أول من عَبّروا عن فرحتهم وتفاؤلهم بهذا التعيين ومباركتهم له. زعيم "البيت اليهودي" العنصري نفتالي بينيت وصفه بالصديق الكبير. ورئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة المستوطن يوسي دغان يرى أن اختيار ترامب للمحامي فريدمان لهذا المنصب الحسّاس نابع من التزامه الحقيقي تجاه إسرائيل. أما رئيس القناة السابعة التابعة للمستوطنين فوصفه بأنه يهودي متدين، من رؤساء الجالية في الولايات المتحدة، صهيوني نقي، يُحبّ الشعب اليهودي وهذه الأرض، يهودي غير معقّد بالمشاعر الدونية.
يكفي أن نتعرف إلى هذه الشخصية الصهيونية اليمينية لنكتشف ماهية مواقف الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية والمنطقة العربية بشكل عام.
العرب وفي مقدمتهم القيادة الفلسطينية يراهنون منذ أشهر على أن ترامب المرشح سيختلف عن ترامب الرئيس؛ لأن الدعاية الانتخابية لا تعبر في كثير من الأحيان عن جوهر المرشح وإنما عن الطريق إلى فوزه في الانتخابات. وبناءً عليه فإن العرب والفلسطينيين في طور الانتظار، لذلك تبدو ردود فعلهم مجمدة، أو لنقل مُعوّقة غير قادرة على الحركة.
القيادات العربية تترقّب، ولا تريد الاستعجال، ونقل السفارة ربما سيكون أقرب من التوقعات كلها، فماذا ستفعل الأنظمة العربية ملوكاً ورؤساء وأمراء في حال نقلت السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
الحقيقة المرّة أن العرب والفلسطينيين اليوم، ليس في أيديهم رد فاعل ومؤثّر على عملية النقل إن تمّت.
خلال العقود الماضية، عندما كان النظام السياسي العربي في أوج تماسكه، كان التهديد الجماعي مؤثّراً، حتى عندما حذّرت الدول العربية بقطع العلاقات مع واشنطن إذا ما أقدمت على هذا الفعل... جاء ذلك بثمار ولم تنقل السفارة في عهد الجمهوريين أو الديمقراطيين، عندما تولُّوا رئاسة أميركا... رغم إقرار الكونغرس عملية النقل هذه.
أما فلسطينياً فنحن ربما أصبحنا كـ"الثعلب الذي بلع المنجل" لا نُحسد على موقفنا، فمثلاً، هل نقرر قطع العلاقات مع واشنطن؟... وهل سنتخلّى عن الدعم الأميركي الحكومي؟... وهل لدينا القدرة الفعلية على مواجهة الإدارة الأميركية؟.
هذه الأسئلة وغيرها الإجابة عنها واضحة، فضمن الحالة القائمة لن نكون قادرين على أي خطوة من الخطوات السابقة باستثناء التنديد والاستنكار، وربما الذهاب مرة أخرى إلى الجمعية العامة للحصول على قرار الأغلبية التي ستؤكد على الوضع الدولي للقدس المحتلة.
ولكن أليس غريباً أنه منذ ترشيح ترامب للرئاسة وحتى فوزه بعد ذلك فإن الاتصالات الفلسطينية معه شبه مقطوعة في الوقت الذي استغله المستوطنون وأصبحوا جزءاً من اللعبة الترامبية.
أخيراً، عندما أُعلن عن الحوار الاستراتيجي الفلسطيني مع إدارة راحلة ومع حزب ديمقراطي سيظل في المعارضة إلى أربع سنوات على الأقل... كان الأولى من ذلك البحث عن حوار آخر مع الترامبيين، ومحاولة فهم ما يدور استباقاً لما قد يحدث... فربما تمكنا خلال هذه الفترة من جمع أدوات ضغط عربية ودولية لإبقاء الوضع القائم في القدس المحتلة على ما هو عليه ؟؟!!