10 آلاف مقاتل باكستاني وأفغاني ذراع إيــران الـطــويـلــــة فـــي ســوريـــة

20161712085049
حجم الخط

في بداية نيسان 2011 اتصل بي صديق، وهو صحافي أجنبي، من ميدان التحرير. وقف وراءه عشرات آلاف المتظاهرين، طالبوا باسقاط نظام مبارك وإقامة نظام ديمقراطي في مصر. لم يستطع صديقي السيطرة على نفسه من شدة الانفعال. فهو يقوم بتغطية اخبار الشرق الاوسط منذ سنوات، ولم يسبق له أن رأى مشهدا كهذا: المصريون يتدفقون بأعداد كبيرة الى الميدان، ويقفون أمام الجنود المسلحين، وأمام الدبابات والمدرعات، ويصرخون مطالبين بالحرية.
حاولت التخفيف من انفعاله؛ لأنني كنت أخشى عليه وايضا لأنني كنت أحسده – المصريون في ذلك الحين رفضوا اصدار تصاريح لدخول الصحافيين الاسرائيليين – ولأنني تعلمت على مدى السنين أن ما يبدأ بدموع انفعالية ويتمسك بحبال الانبعاث، لا ينتهي دائما بشكل جيد. قدم الزعماء العرب خدمات سيئة لشعوبهم، لكن تسلسل الاحداث الذي سمي «الربيع العربي» ساعد على سوء الوضع. باستثناء تونس، التي وصلت الى استقرار هش في ظل نظام سليم، فان جميع الدول الاخرى تدهورت الى الهاوية. استبدلت مصر نظاما اسلاميا فاشلا بنظام فاسد والذي استبدل بنظام عسكري متهاو، يصمد بصعوبة بفضل هبات الاموال الخارجية واللوبي الاسرائيلي وحراب جنوده. تمزقت ليبيا في حرب قبلية وتحولت الى قاعدة لـ»داعش». وسورية الأكثر بؤسا غرقت في الدماء.
يصمت العالم، كما تقول العناوين. قلنا بأن العالم صامت وتزعزعنا، والآن سنتحدث عن طول تنانير مساعدات اعضاء الكنيست. والحقيقة هي أنه أمام ما يحدث في سورية لا توجد أهمية للاقوال الكبيرة. العالم (أي العالم الغربي الحر المتنور: من يشتكِ من ضمير العالم لا يقصد النظام في ايران ولا بوتين)، غير صامت. فهو محرج ومشوش ويوجد في ازمة عميقة، اخلاقية وسياسية، حيث إن الشلل في سورية هو أحد التعبيرات عن ذلك. التقسيم المعروف بين يسار ويمين، حمائم وصقور، انفصاليين واندماجيين، لم يعد صالحا، وكذلك التقسيم بين المستقيمين والمتلونين. الرياح السيئة للقرن العشرين، العنصرية، الانغلاق القبلي، الاصولية الدينية، تأييد القوة والتعطش للدماء عادت لتهب من جديد. إنها تهب ليس فقط في سورية، بل ايضا في اوروبا والولايات المتحدة واسرائيل.
بالمناسبة، كم يمكن للعالم أن يكون متنورا عندما يكون المنتخب هو دونالد ترامب والسياسية الصاعدة هي مارين لوبان.
لقد تصرفت اسرائيل بشكل صحيح حينما قلصت تدخلها في الحرب السورية الى الحد الأدنى، الامر الذي ينبع فقط من مصالحها. ومن المعروف القول إن عدو عدوي هو صديقي. وفي الحرب السورية كل الاطراف هي أعداء معلنون لنا – العدو وعدو العدو وعدو عدو العدو. إن أي عمل علني لاسرائيل لم يكن لينقذ سورية، لكنه كان سيورطنا في مغامرة عسكرية كارثية. لم يذهب نتنياهو الى هناك، ولغته حربية، لكن الاصبع لم تضغط على الزناد. وبسبب ما لم يفعله في سورية فهو يستحق المديح.

ليس مثلما في الأفلام
الطريق الى جهنم كانت مرصوفة بالنوايا الليبرالية الحسنة. يمكن أن قصة سورية التراجيدية بدأت قبل «الربيع العربي» بسنة ونصف السنة، في خطاب الرئيس اوباما في جامعة القاهرة، حيث طالب الشباب في العالم العربي بالتمرد على الواقع الصعب الذي يعيشون فيه. ليس الخطاب هو الذي أشعل التمرد، وإنما كانت هناك اسباب اخرى، لكنه علمهم الطريقة الساذجة والبسيطة التي يعاني منها الأميركيون عندما يتوجهون لعلاج منطقتنا.
يمكن العودة الى الوراء أكثر، الى دخول العراق في آذار 2003. في حينه أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين، وفككت الجيش العراقي، وفتحت بذلك اماكن الهلال الخصيب أمام «القاعدة» و»داعش» وايران وروسيا. وعندما قمت أنا وشمعون شيفر باجراء مقابلة مع الرئيس بوش في البيت الابيض قبل انتهاء ولايته بشهر ونصف الشهر، وعدنا بأن التاريخ هو الذي سيحاكم دخوله الى العراق بشكل ايجابي. ويبدو أنه بعد مئات آلاف القتلى واللاجئين والمشردين وعشرات مليارات الدولارات التي تم اهدارها سدى وموجة الارهاب الاسلامي العالمي، فان التاريخ قد قال كلمته.
في هذا الاسبوع، عندما سقطت حلب، التي هي تل ابيب بالنسبة لسورية، في أيدي تحالف الاسد، اشتكى الكثيرون في العالم وفي البلاد من أن الغرب برئاسة الولايات المتحدة واوباما وقفوا صامتين. الصور ذكرتنا بمشاهد فظيعة من حروب الماضي: الشوارع مدمرة، قوافل اللاجئين، جثث الاولاد التي تم اخراجها من تحت الانقاض وصراخ النساء. وهناك من قارن بين ما حدث في سورية وبين كارثة يهود اوروبا.
الحروب الاهلية تتسبب في العادة بخسائر كبيرة في اوساط السكان المدنيين. وهذا ما يحدث عادة حين يحارب الشخص أخاه، وهذا ما سيحدث عندما تكون القوى العظمى الخارجية متدخلة في الحرب. الحرب الاهلية في اسبانيا، التي استمرت ثلاث سنوات، بين 1936 – 1939، أودت بحياة نصف مليون شخص على الأقل. وهذا هو الثمن المتوقع لقتلى الحرب في سورية، وحلب ليست النهاية. من بين سكان يبلغ عددهم 20 مليون نسمة فان 5 ملايين غادروا سورية وهم يعيشون كلاجئين: العبء ينقسم بشكل متساو بين تركيا ولبنان والاردن، وبعض اللاجئين وصلوا اوروبا، وهناك 5 ملايين مشرد سوري موجودون في سورية.
لكن الوضع على الارض أكثر تعقيدا مما تقوله الصورة. سألت، هذا الاسبوع، مصدرا استخباريا غربيا، هل تبدو حلب كلها مثل الافلام التي تصل من هناك. وأجاب سلبا. الاحياء في الطرف الشرقي من المدينة التي كانت ساحة للمعارك، تم تدميرها بقصف روسي بشكل كامل. والطرف الغربي تضرر بشكل أقل. وايضا الطرف الذي كان يسيطر عليه المتمردون توجد فيه احياء ما زال وضعها معقولا.
كم عدد المواطنين الذين أصيبوا اثناء السيطرة؟ سألته. هناك مصلحة للطرفين في المبالغة بأعداد الضحايا، قال. المتمردون ارادوا جلب المساعدة من الخارج، ونظام الاسد أراد اثارة الخوف لدى السكان.
هل قصفت روسيا المدينة بدون تمييز؟ سألته. ليست هناك حتى الآن معطيات عن الاسابيع الاخيرة، قال. في الموجة السابقة على مدى ثلاثة اسابيع من القصف سجلت 1500 طلعة جوية لسلاح الجو الروسي. 80 – 90 في المئة من الاصابات كانت في خطوط الاحتكاك وفي نقاط محددة في مناطق سيطرة المتمردين، ولم يكن هناك قصف أفقي.
هل الأنباء حول المجزرة الجماعية ضد السكان صحيحة؟ سألت. الكثير من القتلى هم من النساء والاطفال، قال. ولكن لا توجد معلومات في الغرب عن أوامر واضحة من اجل الاضرار بالسكان المدنيين، قال.

الطرف الذي حسم
نقطة الانعطافة في الحرب السورية حدثت قبل ثلاث سنوات في ايلول 2013. الخط الاحمر الذي وضعه اوباما كان استخدام السلاح الكيميائي. وعندما تبين أن الاسد يستمر في قصف أبناء شعبه بالغاز، فان مصداقية اوباما خضعت للاختبار. هل سينجر الى الحرب بعكس ارادته؟ بوتين تطوع بالمساعدة. فقد فرض على الاسد الموافقة على اخراج السلاح الكيميائي من سورية برعاية روسيا.
تم تنفيذ الاتفاق، لكن أهميته لم تكمن في التخلص من السلاح الكيميائي، بل في التغيير التاريخي لمكانة روسيا في المنطقة، حيث نشأ تقاسم عمل بين القوتين العظميين. فقد ركزت الولايات المتحدة على المساعدة في الحرب ضد «داعش»، ويشمل ذلك القصف الجوي والتزويد بالسلاح وتسليح وتدريب الجيش العراقي ومنظمات المعارضة والبشمركة الكردية. وليس من الصحيح القول إن الولايات المتحدة قد وقفت على الحياد. فقد استثمرت حتى الآن في الحرب ضد «داعش» أكثر من 10.5 مليارات دولار، غالبيتها في العراق والجزء القليل في سورية. وقد كان أحد أهداف القصف الأميركي في سورية هو مواقع النفط التي يسيطر عليها «داعش».
ركزت روسيا على محاربة المتمردين السوريين، ولم يتدخل الأميركيون – هذا هو الثمن الذي دفعه اوباما مقابل الاعفاء الذي منحه إياه الروس. وعمليا، فقد منح بوتين القوة لحسم الحرب الاهلية. وهو بطريقته الفظة قام بالحسم.
لقد استمرت معركة السيطرة على حلب أقل من شهر، من منتصف تشرين الثاني وحتى هذا الاسبوع. القوات التي تتشكل من وحدات جيش الاسد والمليشيات السورية التي تؤيد النظام دخلت في منتصف تشرين الثاني الى الجزء الشرقي من المدينة، وقسمت مناطق سيطرة المتمردين. وقصفت روسيا من الجو. وسلاح الجو، الذي شارك في الحرب، لم يكن كبيرا. قوات ايرانية قليلة، وحدات من «حزب الله»، ومليشيات شيعية تحت رعاية ايران عملت في محيط المدينة. وكانت احدى مهامها هي تعويق السكان الذين حاولوا الهرب من المناطق التي يتم قصفها.
المليشيات الشيعية، التي احضرها الايرانيون الى سورية هي قصة بحد ذاتها. فهي تتكون من باكستانيين وافغان جاؤوا الى ايران كلاجئين. وهي تشمل الآن أكثر من 10 آلاف مقاتل. وهذه قوة عسكرية حقيقية. وقد قام الايرانيون بتجنيدهم بشكل قسري. وهم يقاتلون تحت قيادة ايران كمليشيا منفصلة. وفي ايران، كما هي الحال في الولايات المتحدة واسرائيل، فان الرأي العام لم يرغب في رؤية المقاتلين وهم يعودون الى البيت في التوابيت. فخلال سنة قتل 400 – 500 ايراني في الحرب السورية، وتم طرح الاسئلة. فرقة الاجانب من الباكستانيين والافغان هي مسألة مختلفة: يمكن التضحية بهؤلاء المقاتلين.
تقوم ايران بارسال هؤلاء المقاتلين الى الجبهات الصعبة. ويمكن أن نجدهم في يوم ما على الحدود الاسرائيلية.

ضربة قاضية
لقد وصلت روسيا الى سورية من اجل بناء قوة فيها. السبب الأول عسكري: لقد قاموا باستئجار الميناء في طرطوس لعشرات السنين، وكذلك المطار العسكري في غرب سورية سيستمر في تقديم الخدمات لهم. والسبب الثاني هو اقتصادي: هم يريدون الحصول على المليارات التي ستتدفق من العالم من اجل اعادة اعمار سورية. والسبب الثالث هو سياسي: هم يريدون الخروج من الحرب كلاعبين مساوين للأميركيين اذا لم يكن أكثر من ذلك، في الساحة الاقليمية.
خطط ايران مشابهة: موقع عسكري بعيد المدى، نصيب كبير في اعمال الاعمار، وتأثير سياسي إقليمي. تسعى روسيا الى توقيع اتفاق برعايتها لإنهاء الحرب. وبالنسبة لها هذا هو الانتصار الكامل. يريد الاسد الاستمرار في الحرب حتى النهاية، واعادة توحيد سورية تحت حكمه. وهو يسيطر الآن على حوالي 70 في المئة من السكان، بينما يريد السيطرة على 100 في المئة. ليس واضحا ما الذي سيحدث في الاشهر القادمة في مثلث روسيا – سورية – ايران، ومن سيخون من ومتى ولماذا.
عندما ينتهي الاسد من احتفاله بالانتصار سيضطر الى اتخاذ قرار مع حلفائه في ايران وروسيا حول توجهه. هل سيقوم بقصف المتمردين في ادلب، المعقل الاكبر لهم؟ هل سيوجه قواته الى الرقة، عاصمة «داعش»؟ هل سيفضل مواجهة «داعش» في محور تدمر – دير الزور أم في درعا في جنوب سورية قرب الحدود مع الاردن، حيث إنها النقطة التي قد تنتشر منها الحرب السورية الى هضبة الجولان؟ المعركة حول درعا توجد الآن في آخر الصفحة.
لقد وضع ايهود باراك مصطلح «فيلا في الغابة». ونتنياهو تبناه ووضع حوله الجدار: فيلا محصنة في غابة مهدِّدة. هذا تشبيه متكدر: ما الذي حدث في الفيلا الى درجة جعلت الحصار أبديا، نبتة غريبة في الغابة قامت علينا من أجل تدميرنا. والحقيقة هي أن اسرائيل تعيش في واقع أكثر تفاؤلا وأكثر أمنا مما يبدو في هذا الوصف. ليس كل العالم ضدنا: لا حاجة لنترحم على أنفسنا.
يوجد في هذا التشبيه، رغم ذلك، ما هو صحيح. فالتراجيديا السورية تعلمنا كيف نصبح أقوى وأقوى، وأن لا نعتمد على سخاء الآخرين، لكنها تعلمنا ايضا درسا في السياسة الداخلية – الى أي حد يبلغ خطر الاصولية القبلية، دكتاتورية الاغلبية، التطرف السياسي وتأجيج الكراهية ضد الأقليات. اسرائيل لا يمكنها انقاذ سورية، لكنها تستطيع انقاذ نفسها.

عاصمة «لايت»
قالت كليان كونوي، مديرة حملة ترامب الانتخابية، هذا الاسبوع، إن موضوع نقل السفارة الأميركية الى القدس يوجد على رأس أولويات الرئيس المنتخب. هذه بشرى جيدة. فقد كانت هناك حالات لم تعترف فيها الولايات المتحدة بعاصمة دولة اخرى (ألمانيا الشرقية والصين الشعبية). ولكن في جميع هذه الحالات تم اعتبار الدولة عدواً. واسرائيل في المقابل، هي حليفة. والوضع الراهن غير سليم وغير محترم.
لكن نقل السفارة الأميركية لن ينتهي باستئجار مبنى ونقل الاغراض اليه. الولايات المتحدة لم تعترف رسميا حتى الآن بسيادة اسرائيل على غربي القدس. وهذا هو السبب الذي جعلها تضع سفارتها في تل ابيب. بأي قدس سيعترف ترامب: هل سيعترف بالقدس الصغيرة ما قبل 1967، أم بالقدس الكبرى بأحيائها وقراها وسكانها الفلسطينيين الذين تم ضمهم؟.
«الفلسطينيون»، قال لي، هذا الاسبوع، وزير سابق رفيع في حكومات اليمين، «سيخرجون الى الشوارع. وستكون هناك مظاهرات كبيرة في العالم العربي. هذا أمر هستيري».
ويحتمل ألا يحدث ذلك. الوقت المناسب لقطع الصلة وايجاد الحقائق احادية الجانب هما بداية ولاية الرئيس، حيث تكون يديه حرة وليس هناك أي غيمة فوق رأسه. بناء السفارة سيحتاج الى سنوات، فالسفارات الأميركية هي مواقع محصنة في كل الدول، وكذلك في اسرائيل، وخصوصا في القدس.
أحد المقربين من نتنياهو وصل، الاسبوع الماضي، الى نيويورك. وحسب الشائعات فقد تم ارساله لنقاش مساعدي ترامب في برنامج العمل اليومي المشترك. والاتفاق النووي مع ايران هو الموضوع المركزي. ويقول نتنياهو إن لديه خمسة اقتراحات لالغاء الاتفاق. ومن يريد الغاء اتفاق يكتفي في العادة بطلب واحد، هو الغاء الاتفاق. ولكن من يقترح خمسة بدائل، فهو يبحث عن الغاء بدون الالغاء، والضغط بدون كسر الادوات. والموضوع الثاني هو موضوع القدس.