وضع الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وعلى نحو مفهوم، تدمير تنظيم داعش على رأس أولويات الأمن القومي في إدارته. ولكن من أجل تدمير «داعش»، يجب ألا يكون ذلك بالوسائل العسكرية فقط وفقدان التنظيم القواعد الإقليمية، بل يتحتم أيضًا القضاء على مصداقيته تمامًا. واختيار الشركاء في هذه القضايا من الأهمية بمكان؛ ففي الوقت الذي تنخرط فيه روسيا، ونظام الأسد، والإيرانيون، وتنظيم «حزب الله» في سياسة الأرض المحروقة في حلب، فإنهم يجعلون من غير المحتمل أن تكون هناك حكومات سنيّة وعشائر تقوم بأدوارها المفترضة في مواجهة «داعش»، ومع ذلك، فيجب ألا يكونوا هم فقط من يحلون محل «داعش» على الأرض، ولكن يتعين عليهم خلع المصداقية عن التنظيم أيضًا.
والمشكلة التي نواجهها في سوريا والعراق هي أن استخدام إيران الميليشيات الشيعية يعمق من الانقسام الطائفي ولا يقضي عليه بحال من الأحوال. وقد يكون الجيش العراقي يقود المعركة لتحرير الموصل، ولكن في المدن القريبة، مثل تلعفر، تعمل الميليشيات الشيعية مرة أخرى على النهب والقضاء على الرجال السنّة، تمامًا كما فعلوا من قبل في المعارك السابقة في الفلوجة والرمادي. وعلى نحو مماثل، في سوريا، في الوقت الذي يواصل فيه بوتين والأسد قصف شرق مدينة حلب بلا هوادة، تستورد إيران الميليشيات الشيعية لتوفير القوة البشرية المطلوبة للقضاء على قوات المعارضة على الأرض. ومع الجيش السوري الذي لا يتجاوز تعداد قواته المنتشرة 25 ألف مقاتل، فإن هناك «حزب الله» اللبناني وغيره من الميليشيات الشيعية من العراق ومن دول بعيدة مثل أفغانستان، الآتية للمساعدة في احتلال تلك المناطق. وبالتالي، حتى مع احتمال فقدان «داعش» مدينتي الموصل والرقة - اللتين كانتا تمثلان رمز النجاح والجاذبية لدى التنظيم - فإن الظروف التي مكنت التنظيم من الصعود في أول الأمر، وهي المعارضة السنيّة والإقصاء، يجري إعادة صياغتها في الوقت الراهن. ومما يؤسف له، أن إدارة الرئيس ترامب، وفي أيامها الأولى، سوف يكون عليها التعامل مع تداعيات هزيمة «داعش» في الموصل والحاجة إلى إعادة الإعمار، وإدراج الطائفة السنيّة في الحكم، وعودة السكان السنّة.
وإن لم يكن ذلك من قبيل الجهود الشاقة بما فيه الكفاية، فمن شأن الإدارة الجديدة أن تضع استراتيجية حيال سوريا. وسوف تواجه هناك خيارات عسيرة حول كيفية تحرير مدينة الرقة: فهل نعتمد على الجانب التركي الذي اقتطع لنفسه الآن منطقة آمنة تبلغ نحو ألفي كيلومتر مربع في شمال سوريا، أم نعتمد على القوات الكردية التي كنا نعمل معها منذ البداية؟ من الواضح - إن كان ممكنًا - أنه من الأفضل التوفيق بين الخيارين، ولكن هذا أيضًا من المرجح أن يكون أمرًا عسيرًا على التنفيذ. كان التدخل العسكري التركي في سوريا موجهًا لضمان أن «وحدات الحماية الشعبية» - وهي القوات الكردية التي وجدنا أنها الأكثر فعالية في قتال «داعش» - لن تكون قادرة على إنشاء ممر متاخم على طول الحدود السورية – التركية، وأي جهود للتنسيق بين الجانبين في القتال لتحرير الرقة سوف تستلزم، من دون شك، إبرام صفقة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
ولكن ليس هناك من جواب حول الرقة من شأنه القضاء تمامًا على «داعش» وما أنتجه بصفته تنظيمًا إرهابيًا في سوريا، من دون التقارب مع الصراع الأكبر مع نظام بشار الأسد. من المرجح للرئيس فلاديمير بوتين أن يقدم للإدارة الأميركية الجديدة نوعًا من أنواع الأمر الواقع: فمع تمكين نظام الأسد من استعادة حلب بالكامل – حتى مع اعتماده الكبير على الميليشيات الشيعية على الأرض - قد يحاول بوتين الدعوة إلى وقف لإطلاق النار وإنشاء التقسيم الفعلي للأراضي السورية. وبعد كل شيء، فإن الجانب الغربي من البلاد، والمأهول بالسكان من حلب في الشمال وحتى دمشق في الجنوب، سوف يكون تحت سيطرة نظام الأسد، مع ضمان الوصول الروسي المستمر للمرافق الجوية والبحرية العسكرية في البلاد، وسوف يحين الوقت عندئذ بالنسبة لبوتين لإنهاء القتال في سوريا.
ومشكلة بوتين تكمن في أنه ليس هناك جزء من الأراضي السورية من المرجح أن ينتهي فيه الصراع ما دام نظام الأسد لا يزال في السلطة، ومن شأن أي قرار لوقف إطلاق النار أن يكون مؤقتًا، ولا يرقى إلا إلى مجرد «وقفة» عابرة لإطلاق النار. ومن شأن تدمير حلب أن يزيد من الشهية للانتقام بين قوى المعارضة السورية التي تضم ما يقرب من 160 ميليشيا باستثناء «داعش».
ومن المفارقات، فإن القوة الحالية للرئيس بوتين في سوريا تتخفى وراءها نقطة مثيرة من نقاط الضعف: في حين أنه لا يرغب في حرب بلا نهاية، فإنه يفتقر إلى القدرة على إجبار المعارضة على إنهاء القتال ضد نظام الأسد. وإلى جانب الأتراك، والسعوديين، والقطريين، والإماراتيين، يمكننا أن نصل إلى ذلك الحل - فقط - إذا ما غادرت زمرة الأسد البلاد.
لدى الرئيس المنتخب ترامب الفرصة السانحة للتأثير على فلاديمير بوتين، وضمان أن إيران لن تحصل على أي مكاسب استراتيجية في سوريا (في الوقت الذي أعلن فيه حسن باقري قائد الجيش الإيراني اعتزام بلاده تأسيس قاعدة بحرية عسكرية في سوريا)، والنجاح في مواجهة «داعش» إذا ما اعترف بقدراتنا ونفوذنا الكبير. ولفعل ذلك في الواقع، سوف يحتاج الرئيس ترامب إلى أن يخبر الرئيس بوتين باستعداده للتعاون، شريطة أن ينفذ الجانب الروسي، وبالكامل، القرار الأممي رقم «2254» الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والانضمام إلينا في ممارسة الضغوط من أجل التوصل إلى نتائج سياسية ملموسة.
أيد الجانب الروسي القرار الأممي رقم «2254»، الذي يطالب بوقف الأعمال العدائية في سوريا، ووقف الحصار، وفتح الممرات الإنسانية غير المقيدة، والانتقال السياسي خلال فترة 18 شهرًا. ولقد انتهك الأسد أحكام القرار، ولم يقبل مطلقًا مبدأ انتقال السلطة. ويمكن لترامب أن يقول إن الولايات المتحدة سوف تفي بالتزاماتها حيال القرار «2254» شريطة أن تقوم روسيا بالمثل. ولكن إذا فشل الأسد في الالتزام، فسوف يلجأ مجددًا إلى البراميل المتفجرة.
والمشكلة التي نواجهها في سوريا والعراق هي أن استخدام إيران الميليشيات الشيعية يعمق من الانقسام الطائفي ولا يقضي عليه بحال من الأحوال. وقد يكون الجيش العراقي يقود المعركة لتحرير الموصل، ولكن في المدن القريبة، مثل تلعفر، تعمل الميليشيات الشيعية مرة أخرى على النهب والقضاء على الرجال السنّة، تمامًا كما فعلوا من قبل في المعارك السابقة في الفلوجة والرمادي. وعلى نحو مماثل، في سوريا، في الوقت الذي يواصل فيه بوتين والأسد قصف شرق مدينة حلب بلا هوادة، تستورد إيران الميليشيات الشيعية لتوفير القوة البشرية المطلوبة للقضاء على قوات المعارضة على الأرض. ومع الجيش السوري الذي لا يتجاوز تعداد قواته المنتشرة 25 ألف مقاتل، فإن هناك «حزب الله» اللبناني وغيره من الميليشيات الشيعية من العراق ومن دول بعيدة مثل أفغانستان، الآتية للمساعدة في احتلال تلك المناطق. وبالتالي، حتى مع احتمال فقدان «داعش» مدينتي الموصل والرقة - اللتين كانتا تمثلان رمز النجاح والجاذبية لدى التنظيم - فإن الظروف التي مكنت التنظيم من الصعود في أول الأمر، وهي المعارضة السنيّة والإقصاء، يجري إعادة صياغتها في الوقت الراهن. ومما يؤسف له، أن إدارة الرئيس ترامب، وفي أيامها الأولى، سوف يكون عليها التعامل مع تداعيات هزيمة «داعش» في الموصل والحاجة إلى إعادة الإعمار، وإدراج الطائفة السنيّة في الحكم، وعودة السكان السنّة.
وإن لم يكن ذلك من قبيل الجهود الشاقة بما فيه الكفاية، فمن شأن الإدارة الجديدة أن تضع استراتيجية حيال سوريا. وسوف تواجه هناك خيارات عسيرة حول كيفية تحرير مدينة الرقة: فهل نعتمد على الجانب التركي الذي اقتطع لنفسه الآن منطقة آمنة تبلغ نحو ألفي كيلومتر مربع في شمال سوريا، أم نعتمد على القوات الكردية التي كنا نعمل معها منذ البداية؟ من الواضح - إن كان ممكنًا - أنه من الأفضل التوفيق بين الخيارين، ولكن هذا أيضًا من المرجح أن يكون أمرًا عسيرًا على التنفيذ. كان التدخل العسكري التركي في سوريا موجهًا لضمان أن «وحدات الحماية الشعبية» - وهي القوات الكردية التي وجدنا أنها الأكثر فعالية في قتال «داعش» - لن تكون قادرة على إنشاء ممر متاخم على طول الحدود السورية – التركية، وأي جهود للتنسيق بين الجانبين في القتال لتحرير الرقة سوف تستلزم، من دون شك، إبرام صفقة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
ولكن ليس هناك من جواب حول الرقة من شأنه القضاء تمامًا على «داعش» وما أنتجه بصفته تنظيمًا إرهابيًا في سوريا، من دون التقارب مع الصراع الأكبر مع نظام بشار الأسد. من المرجح للرئيس فلاديمير بوتين أن يقدم للإدارة الأميركية الجديدة نوعًا من أنواع الأمر الواقع: فمع تمكين نظام الأسد من استعادة حلب بالكامل – حتى مع اعتماده الكبير على الميليشيات الشيعية على الأرض - قد يحاول بوتين الدعوة إلى وقف لإطلاق النار وإنشاء التقسيم الفعلي للأراضي السورية. وبعد كل شيء، فإن الجانب الغربي من البلاد، والمأهول بالسكان من حلب في الشمال وحتى دمشق في الجنوب، سوف يكون تحت سيطرة نظام الأسد، مع ضمان الوصول الروسي المستمر للمرافق الجوية والبحرية العسكرية في البلاد، وسوف يحين الوقت عندئذ بالنسبة لبوتين لإنهاء القتال في سوريا.
ومشكلة بوتين تكمن في أنه ليس هناك جزء من الأراضي السورية من المرجح أن ينتهي فيه الصراع ما دام نظام الأسد لا يزال في السلطة، ومن شأن أي قرار لوقف إطلاق النار أن يكون مؤقتًا، ولا يرقى إلا إلى مجرد «وقفة» عابرة لإطلاق النار. ومن شأن تدمير حلب أن يزيد من الشهية للانتقام بين قوى المعارضة السورية التي تضم ما يقرب من 160 ميليشيا باستثناء «داعش».
ومن المفارقات، فإن القوة الحالية للرئيس بوتين في سوريا تتخفى وراءها نقطة مثيرة من نقاط الضعف: في حين أنه لا يرغب في حرب بلا نهاية، فإنه يفتقر إلى القدرة على إجبار المعارضة على إنهاء القتال ضد نظام الأسد. وإلى جانب الأتراك، والسعوديين، والقطريين، والإماراتيين، يمكننا أن نصل إلى ذلك الحل - فقط - إذا ما غادرت زمرة الأسد البلاد.
لدى الرئيس المنتخب ترامب الفرصة السانحة للتأثير على فلاديمير بوتين، وضمان أن إيران لن تحصل على أي مكاسب استراتيجية في سوريا (في الوقت الذي أعلن فيه حسن باقري قائد الجيش الإيراني اعتزام بلاده تأسيس قاعدة بحرية عسكرية في سوريا)، والنجاح في مواجهة «داعش» إذا ما اعترف بقدراتنا ونفوذنا الكبير. ولفعل ذلك في الواقع، سوف يحتاج الرئيس ترامب إلى أن يخبر الرئيس بوتين باستعداده للتعاون، شريطة أن ينفذ الجانب الروسي، وبالكامل، القرار الأممي رقم «2254» الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والانضمام إلينا في ممارسة الضغوط من أجل التوصل إلى نتائج سياسية ملموسة.
أيد الجانب الروسي القرار الأممي رقم «2254»، الذي يطالب بوقف الأعمال العدائية في سوريا، ووقف الحصار، وفتح الممرات الإنسانية غير المقيدة، والانتقال السياسي خلال فترة 18 شهرًا. ولقد انتهك الأسد أحكام القرار، ولم يقبل مطلقًا مبدأ انتقال السلطة. ويمكن لترامب أن يقول إن الولايات المتحدة سوف تفي بالتزاماتها حيال القرار «2254» شريطة أن تقوم روسيا بالمثل. ولكن إذا فشل الأسد في الالتزام، فسوف يلجأ مجددًا إلى البراميل المتفجرة.
عن الشرق الأوسط