التســــــول المقنع

63
حجم الخط

تصيبك احياناً لحظات من الحزن الممزوجة بالأسي وتتفرس الوجوه فلا تجد غايتك تشعر أنك إنحرفت عن مسارك لأن الهدف اصبح في طيات الاحداث المتوالية التي لا نكاد نصحو من حدث حتي نصطدم بأخر فندخل عالماً مبهماً نعيشه بلا فهم ونبقي نتلمس خطوتنا علنا نهتدي الي بصيص يوصلنا لمبتغانا ونركض خلفه ونستطيع بالجهد ان ندرك حالة ما او ظاهرة من عشرات الظواهر التي دخلت الى مجتمعنا الفلسطيني ولم نكن نشاهدها قبل سنوات عديدة مضت هي أصبحت رمزاً للشارع  مما استدعت ان اعرف لماذا    اصبحت هذه الظاهرة تتوسع وتنتشر اكثر واكثر ألا وهي "التسول المقتنع "

ان ظاهرة التسول من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تنتشر فى المجتمع وبعد تراجع الاوضاع الاقتصادية فى قطاع غزة بسبب الحرب والحصار فرض على بعض العائلات التسول لتوفير قوت يومها

رغم انني انا وغيري نشاهد هذه الظاهرة ونعيشها كل يوم ونتعايش معها وتأرقني كما تأرق غيري والتي دفعتني  وعززت موقفي لأن اعرض عليكم  احد تلك الحالات ألا وهي عائلة كاملة تقطن حي الشيخ رضوان تعيش على التسول المقنع وكان لقائي مع المرشدة التربوية لأحدي مدارس البنات للمرحلة الاساسية عندما تحدثت عن تلك الحالة حين تغيبت اختان من الطالبات فى المدرسة فترة طويلة فذهبت لزيارة اسرة الطالبتين لمعرفة سبب التسرب الدراسي فوجدت شيئأ لم تتوقعه والصدمة كانت حالة من الفقر المدقع حيث كان اب شاب مقعد مدمن يجلس فى وسط غرفة على الارض  وحوله سبعة اطفال  دون سن الحادية عشر وعلمت ان لديه خمسة عشر طفلاً حيث كان يعمل الاب فى السابق عامل بناء ونظراً للظروف الصعبة وعدم توفر فرص عمل اضطر الي بيع كل ما يمتلك (الأثاث والبيت والذهب) ليستطيع ان يؤمن قوت ابنائه حيث تبرع له اهل الخيرفيما بعد بغرفة بسيطة جداً كي تسترهم وبعدها لم يتبقي إلا الابناء الذي كان يسرحهم فى الشوارع لبيع اللبان والبسكويت المنتهية صلاحيته بغاية التسول فلم يهتم الاب لمصير ابنائه ولا لمستقبلهم لأنه فقد قدرته على الحركة من الادمان.

من المسؤول فهذه قصة من مئات القصص فأن تنوعت الابطال واختلفت الظروف كلها تأتي بنفس النتائج اطفال باعة صغار يقفزون على ظهرك يشدون ملابسك يتوسلون اليك لتشتري منهم فتقوم انت بأعطائهم المال دون اخذ بضاعتهم.

نظراً للخطورة البالغة لتلك الظاهرة فقد اكد وزير العمل فى حكومة غزة احمد الكرد في وقت سابق ان وزارته بصدد وضع خطة لحل ظاهرة التسول وتتمثل في الاستجابة لجميع الحالات الانسانية الاساسية خاصة فيما يتعلق بفئات المحتاجين والفقراء بأدراج الاسرة المتسولة ضمن برنامج الضمان الاجتماعي لتوفير سبل العيش الكريم اقتصادياً واجتماعياً للحد من هذه الظاهرة.

ولكن ما زالت الظاهرة قائمة تنتظر الحل.

إن تركنا هذه الظاهرة دون حل جذري لها فسنعيش اثارها السلبية وسنلمسها فى كل مجالات حياتنا لأنها ستفرز لنا السارق و المدمن والمنحل اخلاقياً و المريض النفسي والمتطرف دينياً فعلي من تقع المسؤولية فبوجهة نظري تقع المسؤولية على الجميع مجتمع ومسؤول اما بالنسبة للمجتمع المدني فيجب ان تتكاثف الجهود لنشر ثقافة التكافل الاجتماعي عبر انشاء مؤسسات تشرف على دعم تلك الأسر بتقديم المساعدات العينية وكذلك تمويل بعض المشاريع الصغيرة لبعض الاسر وتسويق منتجاتهم لتشجيع الجميع على ذلك لنستطيع ان نحد من هذه الظاهرة التي تشوه المجتمع وتهدم اركانه . الطفل يكبر فيصنع مستقبلاً... الطفل يكبر فيصنع وطن ... الطفل يكبر فى غزة فماذا سيصنع ؟