"الـموسـاد" يــسـتـعـيـد صـورته الـقـويـة

20161912084830
حجم الخط

«المعركة هي اسم اللعبة. مهمتنا ضرب قدرات استراتيجية للعدو قادرة على أن تمس بمستقبل مواطني اسرائيل وبالسلام. وعند الحاجة يجب المس بالأعداء أنفسهم، ولكن فقط عندما يكون الأمر جزءاً من فهم يتضمن وسائل عديدة». بهذه الكلمات، كما يقول شخص أنهى منذ وقت غير بعيد خدمته في «الموساد»، عرض رئيس الجهاز، يوسي كوهين، مذهبه الفكري في حديث أجراه بعد تسلمه مهام منصبه في بداية هذه السنة.
اذا كان «الموساد» بالفعل هو من وقف خلف اغتيال مهندس الطيران ونشيط «حماس»، في تونس، محمد الزواري، مثلما نشرت وسائل الاعلام الاجنبية، فان هذا هو الاغتيال الأول المنسوب لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي منذ تسلم كوهين مهام منصبه (او ربما الثاني: عمر زيد من «الجبهة الشعبية» لاقى حتفه في ظروف غامضة في بلغاريا).
الضربة للزواري، اذا كانت اسرائيل بالفعل تقف خلفها، هي الطرف الظاهر والصاخب للجهد الاستخباري الذي على ما يبدو يشارك فيه عشرات رجال الاستخبارات والعمليات من «الموساد»، من «الشاباك»، ومن «أمان». يمكن الافتراض بأنهم شخصوه قبل سنوات كشريك في مساعي تطوير سلاح «حماس» و»حزب الله»، حين غادر تونس الى دمشق. فقد كان على اتصال وثيق مع حسان اللقيس، رئيس وحدة تطوير الوسائل القتالية لـ»حزب الله» (والذي صفاه «الموساد» حسب منشورات أجنبية حين كان تحت قيادة تامير باردو في العام 2013). وقوّى الزواري علاقاته مع «حماس» حين عاد الى تونس وكان برغياً مركزياً في وحدة الطائرات غير المأهولة التي تحاول المنظمة إقامتها، وتأمل أن تتضمن أيضا طائرات انتحارية، مثل «أبابيل»، التي زودت إيران بها «حزب الله».
في قطاع غزة الصغير والمكتظ، الذي يوجد تحت العين اليقظة لإسرائيل، لا توجد امكانية لاقامة وحدة كهذه. ولكن في تونس وجدت المنظمة أيضا مناطق الطيران اللازمة، وكذا الشخص ذا العلم التقني: علاقاته مع «حماس» في غزة وفي دمشق ومع «حزب الله» هي التي رفعته الى بؤرة استهداف مصفيه، الذين رويدا رويدا رأوا فيه جهة خطيرة أكثر فأكثر، وفكروا بالحاجة الى المس به.
تونس هي ما يسمى في «الموساد» دولة «هدف رقيق»، أي ليست حقاً دولة عدوا أو «بلاد هدف» على حد تعبير الجهاز مثل سورية أو إيران. ومع ذلك فهي أيضا ليست دولة غربية تعتبر «بلاد قاعدة». فشل عملية في «بلاد قاعدة» من شأنه أن يؤدي الى فقدان حرية مقاتل «الموساد». فخلل أو القاء قبض في بلاد هدف من شأنه ان ينتهي بموته.
اذا كان «الموساد» بالفعل هو الذي يقف خلف الاغتيال، فان كوهين ورجاله عرضوا بالتأكيد على نتنياهو، الذي جرب خيبات الامل، خطة أقنعته. يمكن الافتراض بان المعتقلين في تونس ليسوا متورطين، وسيطلق سراحهم قريبا.
بث مائير دغان في «الموساد» روحاً عملياتية متفرعة، كانت التصفيات على ما يبدو جزءا منها، ولكن ليس التصفيات فقط. فهكذا مثلا رأى أهمية هائلة في التعاون مع الولايات المتحدة لمنع ايران من استيراد عناصر حرجة للمشروع النووي. «ففي آلة متوسطة يوجد 25 الف عنصر يكفي أن تتأكد من أن الشركة المنتجة لها لا يمكنها أن تقدم بعضا من هذه العناصر – ليس كل شيء، بل عناصر قليلة فقط – فإذا بالآلة لا تعمل»، قال دغان وابتسم مضيفا: «من جهة اخرى أحيانا يكون الاكثر نجاعة هو قتل السائق وانتهينا».
إن عملية في ساحة بعيدة جدا كتونس، حيال شخص أغلب الظن كان يعرف انه يوجد تحت نوع من التهديد، والعالم مليء بالكاميرات وبالاجهزة البيومترية، فان هذه خطيرة جداً، ويفترض أن تنفذ فقط ضد هدف ذي قيمة – هدف يكون واضحا أن إزالته عن طاولة اللعب ستلحق ضررا مهماً بالخصم. كما توجد قيمة رمزية: فـ»الموساد» منشغل في كثير جدا من العمليات، بخلاف الصورة التي الصقت به، بأنه ليس جهازا كل انشغالاته تتركز في قتل الاشخاص. ومع ذلك، لا توجد مثل عمليات التصفية هذه، اذا كان «الموساد» بالفعل مسؤولا عنها، كي تعظم صورته القوية.
الرسالة التي ينطوي عليها الاغتيال: اعداء اسرائيل، اينما كانوا، سنجدهم ونقتلهم. على مدى السنين خلقت هذه الاعمال اسطورة حول اسم «الموساد» وذراعه الطويلة، كجهاز عدواني عديم الرحمة. لا بأس، بالنسبة لجهاز استخبارات هدف الردع موضوع امام عينيه بقدر لا يقل عن هدف الوقاية.