هل يتم اغتيال التحالف التركي - الروسي .. كلا؟!

هاني حبيب
حجم الخط

أجبرتنا عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة على مراجعة عمليات الاغتيال عبر التاريخ الحديث وما أدت اليه هذه العمليات من حروب، ربما الصدفة، أو القصدية قد غيرت مجرى التاريخ البشري، وبالعودة مثلا الى الحرب العالمية الأولى، في محاولة من قبل من راجعوا هذا التاريخ للتلميح بان حربا كبرى ستندلع وفقاً لاستنساخ عملية الاغتيال هذه، وللدلالة، فإن الحرب العالمية الأولى أنهت تماماً الامبراطورية العثمانية - التركية - علماً ان واضع خطة الاغتيال التي ذهب ضحيتها ولي عهد النمسا وزوجته، مسلم من البوسنة اسمه محمد مهند باشييك، وهو الذي امد القاتل بالمسدس، وجميع القتلة كانوا أعضاء في منظمة «القبضة السوداء»، الحرب العالمية الأولى، امتدت الى الثانية، وبشكل فرعي، امتدت الى الحرب الكورية، وكذلك حرب فيتنام، كل هذه الحروب، نجمت عن تداعيات ونتائج الخرائط السياسية والأمنية للحرب العالمية الأولى التي اشعل نارها بضعة مراهقين من حيث الشكل، الا ان التوترات الاقتصادية والأمنية في اتحاد أوروبا، كانت السبب الحقيقي لهذه الحرب الطاحنة.
في منطقتنا العربية، كانت هناك محاولة اغتيال فاشلة للسفير الإسرائيلي في لندن شلومو ارغوف عام 1982، ومع ان المحاولة قد فشلت الا ان إسرائيل اتخذتها ذريعة لشن حرب اسمتها «عملية سلامة الجليل» في الرابع من حزيران من ذلك العام، لم تكن محاولة الاغتيال الا ذريعة اتخذتها الدولة العبرية لتصفية حسابها مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، استمرت تلك الحرب ثلاث سنوات مهدت الطريق للحرب الأهلية من خلال الدعم الإسرائيلي للقوات الانعزالية في لبنان، خاصة الكتائب والمردة والأحرار وادت في نهاية الأمر الى انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية.
إلا ان عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة، لا تتشابه مع اي اغتيال آخر، عبر ما نعرفه من عمليات اغتيال. الشكل المسرحي لهذه العملية يمكن ان يدفع الى كثير من التحليلات والتكهنات في اطار نظرية المؤامرة، بداية من عدم وجود دماء نازفة من القتيل، والقاء القاتل خطبة عصماء مع فاتحة داعشية «الله اكبر».
دون تجاهل الصدمة التي المت بالحضور لهذا الخطاب الذي لم يتمكن السفير من إلقائه في حفل يحمل عنوان «روسيا بعيون الأتراك» ناهيك عن البدلة - الطقم - الرسمية التي ارتداها القاتل، والتشكيك بأسباب قتل القاتل مع انه كانت هناك إمكانية أكيدة لإلقاء القبض عليه بعدما افرغ رصاصات مسدسه في جسد السفير الروسي، وهذا ينسحب على السؤال الأكثر أهمية، هل ما قام به القاتل عمل فردي، شكل من اشكال ردود الفعل الذاتية على احداث حلب كما رسمتها وسائل إعلام جهات مولت الفصائل الإرهابية على الساحة السورية؟ أم أن هذا القاتل، قام بفعلته وفق خطة رسمتها إحدى الفصائل ذاتها التي تخوض حربا لا نهاية لها في سورية، وتعترض على الدور الروسي الذي اسهم بفعالية في تراجع قوى هذه الفصائل في الميدان وعلى الارض بعد ان خسرت اهم موقع لها، مدينة حلب!!
واذا كان الامر كذلك، اي ان العملية ذات ابعاد منظمة ومخطط لها لاستثمارها امنياً وسياسيا، ويهدف ضرب التحالف الروسي - التركي، والضغط على روسيا كي تراجع إمكانيات تدخلها في الساحة السورية، وهو الأمر الذي اعتقده البعض عندما سارع الى القول إن هذه العملية ستضع حداً لهذا التحالف، ولن يكون أمام روسيا سوى مراجعة دورها المسلح على الساحة السورية، واستنجد هؤلاء بحكاية الانسحاب السوفياتي من أفغانستان دون تحقيق أي هدف من أهداف تدخله في ذلك الوقت.
الراهن، ان هذه العملية لن تؤدي إلا الى تقوية وتعزيز هذا التحالف الآخذ بالتبلور بين روسيا وتركيا، وللطرفين دوافع متشابهة بحدود كبيرة تجعل من هذا التحالف من القوة بحيث يتجاوز «التفاصيل» على أهميتها. لجنة التحقيق المشتركة هي أول نتاج لهذا التحالف بعد هذه العملية، كما ان اجتماع موسكو بين وزراء خارجية ودفاع تركيا وروسيا وإيران، ظل حسب الأجندة من دون إلغاء او تأجيل، كما ان تصريحات القيادتين الروسية والتركية، اجتمعت على استمرار ما يقولون انه حرب على الإرهاب كونها من الثقة الكاملة من ان عملية الاغتيال كانت تهدف أساساً الى فتنة تؤدي الى زعزعة هذا التحالف الذي بات مسيطرا على الخريطة الأمنية السياسية للأزمة السورية.
من هنا، فإن كل ما فعلته هذه العملية، التي تفتقد الى الشجاعة والبطولة هي انها ستعزز من التحالف الجديد وبحيث يصبح المقرر الأساسي، ميدانياً وسياسياً لمستقبل البلاد السورية، خاصة وان الأطراف الأربعة، روسيا وتركيا وإيران وسورية، كلها تتفق - رغم كل الاختلافات - على وحدة الأراضي السورية، وهذا المبدأ هو جوهر انزياح تركيا من تحالفاتها مع الغرب، للخلافات المتعلقة بالمسألة الكردية.
وعلى الأرجح، فإن هذه العملية، وبصرف النظر عن أهداف من خطط لها، ستؤدي الى زعزعة النفوذ الغربي، الأميركي على وجه الخصوص، وستهيئ للرئيس الأميركي الجديد فرصة إعادة حسابات الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية!