تعقيبا على أنباء تعيين اليهودي الصهيوني الأمريكي ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في الكيان الصهيوني، أدلى أمين سر اللجنة التنفيذية، د. صائب عريقات، للصحفيين بتصريح قال فيه: «إن وضع القدس موضع تفاوض بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين». واتخاذ أي قرار سيكون تدميراً لعملية السلام»!. ولقد مر تصريح عريقات كخبر عادي، فلم يستوقف أحداً وكأنه من طبيعة الأمور المعروفة التي لا تحمل جديداً، مع أنه يمثل «انقلاباً» على الذات من جانب السلطة الفلسطينية إذا ما وضعنا أمام أعيننا تصريحاتها المتكررة ومواقفها المعلنة من القدس الشرقية. وهو في الوقت نفسه ينطوي على إصرار وتمسك بسياسات، لا نقول ثبت فشلها، باعتراف رموز السلطة، وحسب بل وأيضا على «مسميات» لن تعود موجودة في المرحلة المقبلة.
بداية لا بد من الإشارة بسرعة إلى بعض المحطات المهمة بشأن القدس، منها ما هو «إسرائيلي» ومنها ما هو أمريكي، وأخيرا ما هو فلسطيني، وذلك في محاولة للوقوف على خلفية ما يجري اليوم.
«إسرائيلياً»، وفور احتلال الجزء الشرقي من القدس، باشرت سلطات الاحتلال بإجراءات من شأنها أن تغير على المدى المتوسط من الطبيعة الجغرافية والتاريخية والسكانية للمدينة، لأنها ومنذ اليوم الأول رفعت شعار «اورشليم عاصمة «إسرائيل» الأبدية»، وهو ما كان يعني ضمها وتهويدها نهائيا. ومنذ ذلك اليوم تستمر عمليات هدم منازل المقدسيين والتضييق عليهم بكافة السبل لدفعهم إلى الهجرة. وكذلك تستمر مصادرة الأراضي المحيطة بالمدينة وبناء المستوطنات عليها. وآخر المشاريع المشروع الذي أطلقوا عليه «بوابة القدس» والذي سيقام على مساحة 211 دونماً يبقي في نهايته على وجود فلسطيني هزيل وسط مليون من المستوطنين. في الإطار نفسه، قررت الحكومة «الإسرائيلية» عام 1980 ضم القدس الشرقية رسمياً.
وأمريكيا، كان الموقف الأمريكي بعد حزيران/يونيو 1967، موافقاً على قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي نص على «عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة»، وكان الموقف نظرياً وحتى اليوم يتلخص في «عدم شرعية المستوطنات والبناء الاستيطاني». وكان هناك قرار اتخذه الكونغرس عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكن الرؤساء الأمريكيين الذين سكنوا البيت الأبيض في العشرين سنة المنقضية على القرار امتنعوا عن تنفيذه.
ولعل أخطر تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حملته الانتخابية والمتعلقة بالفلسطينيين، كان تعهده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ويأتي تعيين السفير ديفيد فريدمان ليشير إلى التزامه بهذا التعهد بصرف النظر عن توقيت تنفيذه. لكن ما فهمه كل المراقبين، أمريكيين و«إسرائيليين»، كان يفيد بأن لهذا التعيين دلالات خطيرة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وموضوع «عملية السلام في الشرق الأوسط». وعلى سبيل المثال، رأى حيمي شاليف في (هآرتس- 16-12-2016)، أن هذا التعيين يمثل «حدثاً تاريخياً لا ينبغي التقليل من أهميته. فبعد خمسين عاما من الصراع، تعترف الإدارة الأمريكية الجديدة بالمشروع الاستيطاني وبضم المستوطنات، وبمنع إقامة دولة فلسطينية»! ويرى جدعون ليفي في (هآرتس- 18-12-2016)، أنه «مع تعيين فريدمان، تخرج الولايات المتحدة كلياً من الخزانة، ومنذ الآن هي تؤيد بشكل رسمي إقامة دولة فصل عنصري «إسرائيلية» من البحر إلى النهر... ولن تتمكن الولايات المتحدة من القول إنها وسيط نزيه، وهي لم تكن هكذا أبداً»!!
والآن وبالعودة إلى السلطة الفلسطينية وتصريح صائب عريقات، نلاحظ أولا، أن السلطة الفلسطينية دأبت على تكرار واختصار مطالبها بالقول: «دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف»! ومع التطورات الجديدة، نتساءل عن معنى القول بأن «القدس موضع تفاوض»؟! ألا تعني العبارة أن السلطة تقبل «التفاوض» على وضع القدس، وأن وضع المدينة حتى الآن ليس محسوماً ك «عاصمة الدولة الفلسطينية» إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق؟ وهو لن يكون طالما أن نتيجة أية مفاوضات تقررها موازين القوى. وبما أن المراهنة كانت حتى الآن على الموقف الأمريكي الذي وصل إلى نهايته وتكشفت حقيقته رسمياً، وظهرت من قبل نتائج سياسات (أوسلو) الكارثية وأسلوب المفاوضات، صار التأكيد على «وعاصمتها القدس الشريف» يبدو متعارضاً مع القول إنها «موضع تفاوض»، وبالتالي يصبح السؤال مشروعاً: هل تنازلت السلطة الفلسطينية عن القدس؟!
عن الخليج الاماراتية