بلغ القلق الإسرائيلي ذروته، مساء أمس، بعدما لم تفلح حكومة بنيامين نتنياهو، على الرغم من كل المساعي الهائلة التي بذلتها، في انتزاع تأكيد من إدارة أوباما باستخدام حقّ النقض (الفيتو) ضدّ مشروع القرار المصري في مجلس الأمن الدولي بشأن وقف البناء الاستيطاني فوراً. واستخدمت إسرائيل مدفعيتها الثقيلة لمنع تمرير القرار باستخدام «الفيتو» الأميركي عبر الزجّ بالرئيس المنتخب دونالد ترامب، ليُناشد الرئيس الحالي باراك أوباما استخدام حق النقض. وكانت دول أوروبية، على رأسها فرنسا، رأت مشروع القرار المصري متوازناً، فيما أشار فلسطينيون إلى حصولهم على تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري عدم اللجوء لاستخدام «الفيتو». ولم تشعر إسرائيل بالراحة إلا بعدما أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسحب المشروع المصري، الذي كان من المفترض عرضه للنقاش مساء أمس، أملاً عرضه في وقت لاحق لم يُحدّد بعد.
وكانت حكومة نتنياهو شعرت بالصدمة جراء إقدام مصر على عرض مشروعها بشأن المستوطنات على مجلس الأمن، الأمر الذي يُخالف ما حاول نتنياهو على مرّ الأشهر الماضية تمريره بشأن الفصل بين الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية. واعترف مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بأن الخطوة فاجأت إسرائيل والولايات المتحدة وقسماً كبيراً من أعضاء مجلس الأمن. غير أن التراجع المصري عن عرض مشروع القرار، ربما يُشجّع نتنياهو على مواصلة الإيمان بفكرته بوجوب الفصل بين الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية.
وفي حمّى الجدل بشأن مشروع القرار، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر اجتماعاً طارئاً تقرّر فيه تجنيد كل الوسائل والموارد لمنع تمرير القرار. ولم يُخفّف من حدّة الجدل سوى ما أعلنه ديبلوماسيون غربيون أن مصر طلبت تأجيل التصويت لإتاحة الوقت لإجراء مُشاورات في مشروع القرار، من دون تحديد موعد جديد للتصويت عليه. ورجّحت مصادر إسرائيلية أن تكون مصر، وهي من أعضاء مجلس الأمن، قد طلبت تأجيل النقاش، أو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي كان مُقرراً أن يلقي كلمة، ألغى خطابه.
وسبق طلب تأجيل النقاش حثّ الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب الرئيس باراك أوباما على استخدام «الفيتو» ضدّ مشروع القرار المصري الذي يُطالب إسرائيل بالوقف الفوري للاستيطان في الضفة والقدس المحتلة. وقال ترامب إن مشروع القرار «يضع إسرائيل في موقع مساومة سيئ جداً وهو مشروع غير نزيه تجاه كل الإسرائيليين».
وأشاعت إسرائيل أجواء خوف غير معهودة من احتمال عدم استخدام إدارة أوباما «الفيتو» ضدّ هذا المشروع. ومعروف أن حكومة إسرائيل جنّدت منذ أشهر، كل المؤسسات اليهودية الأميركية الداعمة لها، وكذلك كل أنصارها في الكونغرس والحلبة الأميركية لمنع حدوث ذلك. ولكن بعد تقديم مشروع القرار المصري وإعلان جهات فلسطينية أنها حصلت من كيري على تأكيد بعدم استخدام «الفيتو» ضدّ مشروع قرار متوازن. وربما لهذا السبب، اعتبرت حكومة نتنياهو نفســها في حالــة حرب وظلّ المجلس الوزاري المُصغّر في حالة انعقاد دائم لبحث الأمر.
وتضمّن مشروع القرار المصري عبارات من قبيل أن المجلس يُؤكد «التزامات إسرائيل، كقوة احتلال، بالانصياع بشكل دقيق لالتزاماتها القانونية ومسؤولياتها وفق معاهدة جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين في زمن الحرب، المُوقّعة في 12 آب 1949، وتُذكّر بالرأي الاستشاري الذي أعطته محكمة العدل الدولية في 9 تموز 2004». ويُضيف المشروع أن مجلس الأمن يُدين «كل الخطوات الرامية لتغيير التركيبة الديموغرافية، وطابع ومكانة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بما في ذلك، بناء وتوسيع المستوطنات، ونقل مستوطنين إسرائيليين، ومصادرة أراضي، وهدم بيوت واقتلاع مدنيين فلسطينيين، عبر انتهاك القانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة».
واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن أكثر ما يُزعج في مشروع القرار المصري ذلك الربط بين إعلان لا قانونية المستوطنات، والعودة إلى حدود الـ 67، وتجميد مُطلق للبناء في المستوطنات، فضلاً عن بند يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير بهذا الشأن كل ثلاثة أشهر.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أجرت اتصالات مُكثّفة مع جهات أميركية بقصد ضمان أن تستخدم واشنطن «الفيتو» ضدّ مشروع القرار المصري. ولكن كل هذه الاتصالات لم تُجد نفعاً إذ أبقت إدارة أوباما موقفها بهذا الشأن غامضاً ولم تُعلن شيئاً. وقال مسؤول إسرائيلي لـ «معاريف»: «إننا نُجري طوال الوقت محادثات من خلف الكواليس، ولكن ليس لدينا حتى الآن ردّ من الرئيس أوباما الذي يقضي إجازة. كنا نعرف أن مثل هذا القرار سيأتي وسنبذل كل ما بوسعنا لمنع نشوء وضع يقود إلى فرض عقوبات على إسرائيل أو وصول المسألة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي».
من جانبها، قالت السفيرة الفرنسية في تل أبيب هيلين لوغال إن صيغة مشروع القرار المصري ضدّ المستوطنات مُتوازنة وتتوافق مع الموقف الفرنسي، مُقدّرة أن بلادها ستُصوّت لصالحه. وأكدت أن مشروع القرار وصل إلى باريس، وأن نقاشاً بشأنه دار هناك من أجل اتخاذ قرار في كيفية التصويت. وأكدت أن ممارسات إسرائيل، وآخرها قانون تسوية البؤر الاستيطانية بما يتضمّنه من مصادرة لأراضي الفلسطينيين، هي ما حثّ مصر والأسرة الدولية على مثل هذه الخطوة في مجلس الأمن.