انتصار فلسطين وانتصار مصر

thumbgen (12)
حجم الخط
 

 تفككت الاواصر وبهتت الصورة عند الكثيرين من قصيري النظر، ومن سياسيي الصالونات القديمة والحديثة، ونظروا للعلاقات العربية المتوترة نظرة تشاؤم مغالية ألغت من قاموسهم الانتماء القومي، والانتماء الحضاري العربي الاسلامي المسيحي (الشرقي)، وكأن الزلازل والاهتزازات في العلاقات العربية مدعاة للتخلي عن الأصول وعميق الروابط، بينما أمثال هؤلاء لا يفقهون أن المتغيرات السياسية ان اتخذت من سكة المصالح سبيلها، وابتعدت احيانا عن القيم والأخلاق فانها في الاطار الحضاري الذي يجمعنا سرعان ما تتلاقى وتتفق، وسرعان ما تأتلف فيخيب ظن أصحاب النظر القصير وأصحاب نظرية التآمر ويقعون في شر أحابيلهم

حاول الكثيرون أن يلعبوا على قصة الخلاف بين الرباعية العربية وبين الفلسطينيين، وحاولوا توسيع الشرخ وكأن علاقات الحضارة الجامعة والامة الواحدة والنضال المشترك والمباديء والاخوة، والدماء السيالة تزول بجرة قلم او بصرخة عابث تتحول الى ماء.

مما لا جدال فيه ان الأمة العربية وفي مطلع العام 2017 مقبلة على تحدي كبير وتحدي جديد هو تحدي إما التشظي الذي لا يرجى برؤه، أو لملة الشمل وارتباطها في نسيج واحد ضمن قوة واحدة لا يمكن لها ان تفوز وتتقدم بدونها.

"الربيع العربي" الذي سرعان ما ذبلت أوراقه رأيناه يرتد الى نحر الامة فيمزقها، ولكن مع اطلالة العام 2017 نعتقد ان الأمة مقبلة على فجر جديد لا سيما وتراجع الخطاب المتطرف والهزائم المنكرة للمتطرفين، وللعقلية الاستبدادية في ذات الآن، ونشهد تشكل محور عربي جديد قابل للنمو ان توفرت ارادة الحياة على الموت من رماد المآسي والحروب الطاحنة، مهما رأينا في المدى القصير افتراقا، فالمخاطر في مواجهة الأمة ليست ايران، كما يروح الصهاينة، فهناك خطر بقاء عامل التفتيت ينهش في الجسد، وخطر استخدام الطائفة على حبال السياسة، وخطر الارتهان للاسرائيلي في سياق الدعوة للتباعد بين جماعات واحزاب وتيارات الامة، وهناك خطر اهمال التنمية الجمعية والمستدامة، وهناك خطر الماء كسلاح ضدنا، وخطر تركيع النفط، وخطر التفتت المجتمعي حتى بالنظرة والخطاب، وخطر تحطيم اللغة العربية، وخطر التشويه لصورة الاسلام الحنيف، وخطر تحطيم التنوع الجميل في الاطار الحضاري العربي الذي يقع المسيحيون في قلبه جنبا الى جنب مع المسلمين، وبالطبع يظل الخطر الجامع والمؤثر في الأخطار كلها هو خطر الدولة الاسرائيلية التي تسعى لتدمير الامة والشعب الفلسطيني وافتكاك كل الارض مطوّحة بحل الدولة الفلسطينية بالهواء وساعية للتمدد الاخطبوطي في شرق الامة وعرضها.

نعم نحن مقبلون على انتصار فلسطين وانتصار الامة وانتصار مصر؟ وقد يتساءل من قَصُر نظره: وكيف نقول مثل ذلك والرباعية تنحر خطوات الرئيس أبومازن نحو التقدم السياسي؟ ونحن نرى الضياع العربي؟ وكيف ذلك والتفتت الفلسطيني جغرافيا وسياسيا بين غزة والضفة والخارج وبين حركة "فتح" و"حماس"؟ بل وكيف ذلك ومصر قد سحبت المشروع لادانة الاستيطان لمجلس الأمن فتراجعت وانقلبت على فلسطين والامة؟

نحن لا نرى مثل هذا التحليل تحليلا قابلا للصمود أبدا، فمصر التي لا تحتاج لشهادة أحد في النضال الدؤوب من أجل قضايا الأمة وفلسطين، قد صوتت مع الدول الأربعة عشر مع القرار فتجاوزنا إشاعة انها ضد القرار، اما تقديم المشروع باسمها او باسم غيرها فله أهمية "النظرة السياسية" على العاجل والآجل فمن ينظر للعاجل يريد انتصارا سريعا يراكم عليه وهذا شأننا نحن الفلسطينيين، ومن ينظر للآجل يريد بُعدا مرتبطا بتحولات السياسة الدولية والإدارة الامريكية المختلفة القادمة بعد أيام.

نعم اختلفت الرؤى وفلسفة النظر لضرورة أو عدم ضرورة تقديم مصر لمشروع قرار ادانة الاستيطان لمجلس الأمن، فمن قائل أننا به (بالقرار الاممي) نركب الصعب في ظرف دولي معنا لا سيما ومؤتمر السلام في باريس يوم 15/1/2017 كما أعلنت فرنسا، ونحن في سياق الهجوم الدبلوماسي نمارس نضالا ومجابهة كبرى، أو"ارهابا عالميا" وعلى رأسه ابومازن كما تتبجح القيادة الاسرائيلية في الوصف غضبا وهلعا من استخدام القانون الدولي والمحكمة الجنائية وخوفا من قوة الرواية الفلسطينية ومنطق العدالة في وجه نظامها العنصري الابارتهايدي

ومن ينظر لمشروع القرار –ثم القرار-بقليل من الأهمية فإنه قد يرى المؤجل أهم لترتيب القوى "الداخلية" والعربية والاقليمية والعالمية، وعليه فهو يضع القرار 452 للعام 1979 أمام الجميع للتفكر، وهو شبيه بالحالي بالمضمون ضد المستوطنات وتصويت 14 دولة معه وامتناع امريكا، فلا يرى فرقا، وهو من يرى ان الجمعية العامة اتخذت من القرارات الكثيرة ضد (اسرائيل) ما لم تمتلك معه قوة التنفيذ فبقيت كل القرارات حبرا على ورق.

بل ويحق والحال هكذا ل(يائير لبيد) في هذا السياق أن يقول معلقا على التصويت الجديد ضد المستوطنات في الأمم المتحدة (لن يلزمنا أحد بقرار، لو سمعنا صوت العالم لما قامت "اسرائيل" بعد الهولوكوست) ويحق ل(داني دانون) مندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة أن يقول (لا مجلس الامن ولا اليونسكو ستفصل بين "الشعب" الاسرائيلي و"أرض" "اسرائيل")

لم تكن مصر مهما كانت مبرراتها السياسية القصيرة الأجل لتعني في تكتيكها باعتقادي طعنا للشعب الفلسطيني أو القضية، فهذه قضية محسومة ومبتوتة لدى الفلسطينيين فلا حل بلا مصر ولا حل بدون الأمة العربية جمعاء، والنصر لفلسطين هو نصر لمصر ونصر للامة جمعاء، ولن يكون غير ذلك. اما مسوغات ومبررات تقديم أو سحب تقديم القرار فإن قبلناها أو رفضناها تبقى في إطار قد وضح جليا، وهو المراهنة بين الآجل والعاجل والرؤية السياسية المختلفة، والأهم من كل ذلك أن ما حصل يُظهر فشلا ذريعا في التنسيق العربي وهو الخطر الاكبر، لأنه بدون التنسيق العربي وبدون الوحدة الوطنية وبدون المقاومة الشعبية الشاملة سنفطر على قرار ونتغدى على قرار ولن يتغير في المعادلة شيء.

نعم لقد حققت الدبلوماسية الفلسطينية نصرا تاريخيا جديدا "تراكميا" بلا جدل، وهو كما علق صائب عريقات (انتصار للأمل والسلام) والامل والسلام يحتاجان مزيدا من الجهد والعمل المضني....والقطران(القوة)، وفي نقطة اخيرة لا بد من الاشارة لها وهي أن الرئيس أبومازن ليس رجلا حالما وما هو بالسياسي البسيط أبدا، فرغم بعض أساليبه او تكتياته التي يتفق معها البعض أو يرفضها، فالرجل الذي يستخدم كل ما يملك من "قوى" ضد الاسرائيلي استل سيف الحق والعدل والسياسة والمقاطعة والتاريخ فحارب "بلفور" كما حارب قرار التقسيم، والجديد الذي لم ينتبه له الصارخون في الظلام أنه أشار بلا لبس الى أن كل القرارات الاممية ان افتقدت للقوة فلا قيمة لها، ولكم أن ترجعوا لإشارته الواضحة لاستعمال القوة ضمن خطابه هذا العام 2016 في الامم المتحدة حين تعرض للقرار 181 أي قرار التقسيم، وتتفكروا ونتفكر، ولا نطيش معا على شبر من الماء.