زميلي المشاكس عبد الله عواد، كتب على «فيسبوك» بين التفكّه والسخرية: «.. وأنا رايح على جنين شفت المستوطنين بحمّلوا أغراضهم وبروّحوا.. انزلت وودّعتهم مباوسة». هذا تعقيبه على قرار مجلس الأمن 1851 بخصوص فلسطين والـ2334 في قرارات المجلس، أو هدية عيد الميلاد والسنة الميلادية 2017 لفلسطين!
للسنة العبرية الجديدة يقول يهود إسرائيل تحيتهم: «رحلت سنة بلعناتها وحلّت سنة ببركاتها»، حاخامات طالبوا، عشية الميلاد بحظر نصب شجرة الميلاد، باعتبارها «وثنية»، بينما اختارت صحيفة أميركية كبرى زينة شجرة الميلاد في بيت لحم من بين الأجمل في العالم!
بين ساعات يوم ويوم، حصلت «دراما» دبلوماسية ـ سياسية في مجلس الأمن، وفي مرة أولى أو نادرة رفعت واشنطن «بركة الفيتو» عن إسرائيل، وحلّت «لعنة» على الاستيطان الإسرائيلي (قل: اليهودي)!
كغيره من قرارات سابقة لمجلس الأمن، جرى تحشيد القرار الجديد بقرار 242 لعام 1967 إلى آخر قرار قبل القرار الجديد عام 2008 ورقمه 1850. وانتهى مشروع القرار 1851 كسابقاته بعبارة في بنده الـ 12 تقول: «يطلب إلى الأمين العام أن يقدّم إلى المجلس، كل ثلاثة أشهر، تقريراً عن تنفيذ أحكام هذا القرار». في البند الأخير 13: «يقرر أن يُبقي المسألة قيد نظره»!
في منتصف الشهر المقبل، ستعقد باريس مؤتمراً دولياً بحضور ثلث أعضاء الجمعية العامة، أي 70 دولة، وقد تحمل فلسطين قرارات المؤتمر إلى مجلس الأمن قبل أو بعد 20 كانون الثاني (يناير) حيث سيبدأ حكم الرئيس الـ 45 في البيت الأبيض. هل تمتنع إدارة اوباما المنصرفة عن نقض مشروع قرار جديد، أو تنقض إدارة ترامب المشروع وحدها؟ علماً أن القرار 1851 نوّه في بنده التاسع بمبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولي.
في تعقيب فوري على امتناع واشنطن عن استخدام حق النقض، غرّد الرئيس المنتخب ترامب، بأن لإدارته سياسة جديدة إزاء إسرائيل بنقل سفارة بلاده إلى القدس.
كان الرئيس اوباما وقّع على تأجيل بلاده 6 شهور أخرى تنفيذ قرار قديم للكونغرس بنقل السفارة، وسيظل القرار سارياً حتى منتصف العام المقبل 2017.
إذا فعل ترامب هذا في حزيران المقبل، ستكون أقوى دولة في العالم معزولة، ولن تتبعها دول أخرى، كما أن القرار 1851 حول المسألة الفلسطينية جعل سياسة الاستيطان اليهودي معزولة في العالم، ولو ميّز بين دولة إسرائيل وبين الاستيطان اليهودي في أراضي دولة فلسطين.
إسرائيل رفضت القرار، لأنها لا تميز بين الاستيطان اليهودي ودولة إسرائيل. العالم يقول إن المستوطنات كلها غير شرعية في القانون الدولي؛ وإسرائيل تشرعن بؤراً استيطانية غير شرعية حتى في القانون الإسرائيلي.
في العام 2011 نقضت واشنطن قراراً حول إدانة الاستيطان، وعشية العام الجديد 2017 امتنعت عن استخدام حق النقض، فصفق مندوبو 14 دولة في مجلس الأمن لهذا الامتناع.. لكن خلال خمس سنوات تغلغل الاستيطان وتغوّل، وفي هذا العام ازدادت أعداد المستوطنين 15 ألف مستوطن.
ناطقون فلسطينيون رسميون وصفوا القرار بـ»التاريخي»، وحتى فصائل معارضة وصفته بـ»الانتصار» السياسي، بما يذكّر بعبارة لجنرال إنكليزي تقول: أعط العربي رائحة انتصار.. وحاول أن توقفه؟
ستكون «رائحة الانتصار» ريحاً دافعة في شراع السلطة الفلسطينية لرفع درجة تمثيل فلسطين في الجمعية العامة من دولة غير عضو إلى دولة عضو، وتقديم طلب عضوية إلى مئات المنظمات الدولية.
ستنشط الحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل ومستوطناتها المعروفة بـ B.D.S، علماً أن فرنسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي قررت تنفيذ توصية برلمان الاتحاد بوسم منتوجات المستوطنات.
من سخافة الدبلوماسية الإسرائيلية رفضها استقبال وزيرة خارجية السويد، التي زارت فلسطين، لأنها أول دولة أوروبية نوعية تعترف بفلسطين ـ دولة.
استنكاف مصر عن تقديم المشروع، على دلالاته وتداخلات أسبابه، أدّى إلى قيام أربع دول بتقديم مشروع القرار، هل هي صدفة أن هذه الدول تنتمي إلى أربع قارات: أوقيانوسيا، وافريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية؟
ليس صحيحاً أن إدارة اوباما تثأر من وقاحة الحكومة الإسرائيلية، لأن أميركا اعتبرت الاستيطان غير شرعي، وهي المحرك لـ « اللجنة الرباعية»، وأيضاً مشروع «الحل بدولتين».. ومن ثم فإن رفع مظلة «الفيتو» ليس خطوة دراماتيكية أميركية، بل انسجام متأخر بين السياسة والدبلوماسية الأميركية.
تستطيع فلسطين، أن تستفز إسرائيل إذا تجاهلت القرار الجديد، بإثارة الاستيطان وسياسة إسرائيل العامة أمام محكمة الجنايات الدولية، ولو أن أميركا جمّدت موافقتها على اتفاقية المحكمة، وروسيا انسحبت هذا العام، والصين لم توقع، وإسرائيل لم توقع، لكن الاستيطان جريمة حرب دولية لأن نقل السكان لأراضي دولة أخرى ممنوع.
وأخيراً، بعض نقّاد السلطة وسياساتها، استخفوا بحوار فلسطيني ـ أميركي سبق دراما تصويت مجلس الأمن، لكن هذا الاستخفاف لم يكن في محله، لأنه أدّى من بين أسباب أميركية أخرى، إلى امتناع إدارة اوباما عن نقض مشروع القرار. الدبلوماسية الفلسطينية ثابرت في تحالفها مع القانون والشرعية الدولية حتى نجحت، وكانت بارعة في نصب «كمين تصويت» للدبلوماسية الإسرائيلية.
الشهر المقبل، بداية العام 2017، ستتولى السويد رئاسة دورية لمجلس الأمن، بديلاً من إسبانيا، وهذه فرصة للدبلوماسية الفلسطينية لانتهاز نتائج مؤتمر باريس وتقديم مشروع قرار جديد يتعلق مباشرة بتنفيذ «الحل بدولتين».
أخيراً، قد يتوقف نتنياهو عن التغنّي بنجاحات الدبلوماسية الإسرائيلية في العالم، وحتى في علاقات مع دول عربية، وفي المقابل فإن المعارضة الإسرائيلية الحزبية والشعبية للاستيطان سوف تنتعش قليلاً.
في إحدى قصائده قال محمود درويش: «ساعة الميلاد قلّدتني» ومن ميلاد هذا العام إلى ميلاد العام المقبل قد تتغير أشياء كثيرة.. وغالباً نحو الأحسن.
غزة: مستشفيات القطاع تستقبل 15 شهيداً في كل ساعة
07 نوفمبر 2023