ما عهدناه في الحروب الإسرائيلية السابقة هو قيام إسرائيل بمناورات تسبق حرباً ضروس على قطاع غزة. فالجيش الإسرائيلي على سبيل المثال قبل حربه الأخيرة على غزة عام 2014 أجرى تدريبات حاكت التي سبقت الحرب علي غزة في إطار "الجرف الصامد"، حيث شاركت قوات الجيش بمشاركة الدفاع المدني تدريبات واسعة النطاق لإخلاء اكبر عدد من الجرحى الإسرائيليين تحت دواعي تدريبات سنوية ضمن الخطة العسكرية لحفاظ علي جهوزية القوات ومحاولة الكشف عن أي نقاط قوة أو ضعف في الجبهة الفلسطينية الداخلية.
تهدف المناورات بحد ذاتها إلى طمأنة الشعب الإسرائيلي بأن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على أمن المستوطنين، وأنها على استعداد لخوض حروب ما تسميه بالإرهاب، وتعزيز كسب تأييد دولي لصالحها رغم الجرائم الحرب التي يتم ارتكابها بحق المدنيين، وانتزاع حقوق المدنيين في الأمن والسلامة.
لا شك أن التدريبات والمناورات التي يتم تنفيذها هي من أجل إخضاع قطاع غزة مجدداً للحرب. فالتقارير الإسرائيلية تؤكد امتلاك المقاومة في قطاع غزة ترسانة صواريخ ضخمة تضم صواريخ ثقيلة ذات جودة فائقة ومدمرة وذات تأثير قوي وخطير على الأمن الإسرائيلي، وهو الأمر الذي بالطبع يقلق إسرائيل ويؤرق مضاجعها إلى حد كبير.
ترجيء إسرائيل تطوير هذه الترسانة إلى زيادة التعاون مع جهات خارجية كإيران الذي نتج عنه تطوير منظومة سلاح بصواريخ ذات تقنيات عالية ودقيقة في قطاع غزة تصيب الأهداف بدقة ومستوى جودة عالٍ يخشى من التهور في استخدامها ضد أهداف حساسة في إسرائيل أو حتى ضد تجمعات السكان المدنيين. لذا تقوم إسرائيل بجمع التقارير الإستخبارتية بشكل مستمر عن مدى التطور في المنظومة العسكرية، وإطلاق التجارب الصاروخية في البحر.
كعادتها تقوم إسرائيل دوماً بتهويل الأمور من أجل كسب أكبر قدر من الدعم الدولي لها، وتعاطف المجتمع الدولي معها. ويتخذ هذا التهويل صوراً تقضي بتضخيم قدرات المقاومة مقارنة بإمكانيات وقدرات جيشه العسكرية الضخمة غير المسبوقة بالشرق الأوسط؛ بغرض تبرير ما تفعله قوات الاحتلال من قتل وتدمير في قطاع غزة، حيث تتحجج دائماً كي تبدأ عدوانها على قطاع غزة بذرائع واهية تستغلها لتشن عدوانها على وتبدأ حرب الإبادة على قطاع غزة في ظل إحباط سكان القطاع من صمت وتخاذل المجتمع الدولي غير القادر على حمايتهم من الحروب.
وبالنظر إلى الحروب الوحشية الثلاث على غزة وغير المسبوقة نجد أن حرب الجرف الصامد محطة مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تمثلت بالتصعيد غير المسبوق على يد جيش الإحتلال تجاوز في مداه مقارنة بما شهده قطاع غزة أثناء العدوان في حرب الرصاص المصبوب عام 2008 وعمود السحاب عام 2012. استخدمت فيهم إسرائيل أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها قدرة على التدمير والقتل ضد المدنيين الفلسطينين وممتلكاتهم ومستخدمةً سلاحها الجوي والبري والبحري وإلقاء مئات الأطنان من الصواريخ والقذائف والتي استهدفت في معظمها المدنيين العُزل!
إن أهداف الحرب بحد ذاتها لا تخفى على أحد وهي تدمير المصانع والبنية التحتية للمجتمع الفلسطينى في قطاع غزة، الذي لا يحتمل الحرب التي لازال الغزيين يعانون ويلاتها حتى اللحظة، أهمها تعطيل إعادة الإعمار، والتدهور الاقتصادي غير المسبوق.
تتعدد الأصوات التي تحذر من تجدد الصراع في قطاع غزة في ظل الاستفزازات الإسرائيلية المستمرة في شكل إطلاق نار على مراكب الصيد في عرض البحر، وعلى المزارعين على الحدود الشرقية لقطاع غزة، إلى جانب استهداف أماكن المقاومة الفلسطينية في عدة أماكن منها منتصف قطاع غزة
أما على الصعيد الدولي ففيه بعض المؤشرات التي ربما تكون دلالة على وجود حرب مرتقبة على قطاع غزة، وإن لم تكن في ضمن خطط الطواريء، ومن هذه المؤشرات تصريحات برنامج البنية التحتية وتطوير المخيمات في وكالة الغوث، أنهم بصدد تجهيز 50 مدرسة لاستيعاب لاجئين جراء الطوارئ من خلال حفر بئر مياه مع محطة تحلية في كل مدرسة وتوفير مراحيض كافية وطاقة شمسية ومولدات كهرباء ووحدات للمعاقين، بعد دروس مستفادة واستخلاص العبر من المرحلة السابقة والأزمات التي مر بها قطاع غزة سواء حروب أو كوارث.
إن الآثار الكارثية التي يخلفها العدوان على غزة رغم الصمود الأسطوري الذي يبديه أهل غزة في كل حرب، لازالت موجودة في صورة تدهور بائس في المجالات البيئية والصحية، والاقتصادية والاجتماعية.
إن القيادات الفلسطينية مطالبة بموقف فلسطيني موحد والإلتفاف حول بعضها، وحشد المؤسسات الدولية من أجل تحرك عربي وأممي في ظل الوعي الشعبي المدني المتنامي في الدول الغربية تجاه حماية المدنيين في قطاع غزة من صور العنصرية الإسرائيلية، وذلك من أجل حماية قطاع غزة من أي هجمات أو حروب محتملة من قبل الطرف الإسرائيلي، ووقف أي تصعيد يجول في النوايا فمن حق المدنيين العيش في سلام وكرامة والانتهاء من دوامات الصراع العنيفة المستمرة التي يتعرض لها.