وقف بنيامين نتنياهو، أول من أمس، مشعلاً الشمعة الاولى في "الحانوكا" مثل يهودا المكابي في حينه. ومن معنى كلامه يمكن أن نفهم بان اسرائيل هي القوة العظمى الهائلة في العالم، والولايات المتحدة هي ربيبتها العاقة. فقد فصل، بصوت واثق وجلي، الوسائل التي نعتزم اتخاذها ضد كل من يتربص لنا بالشر. فها نحن نعيد السفير من السنغال، ومن نيوزيلندا ايضا! وفضلا عن ذلك، نفكر بوقف الدعم المالي للسنغال. وبشكل عام قطع العلاقات والمساعدة عن كل من لا يتصرف معنا على نحو جميل. آه، والامم المتحدة ايضا لن تخرج بثمن زهيد. نحن نفكر بوقف تمويل هذه المنظمة المقيتة! الامر الوحيد الذي لا يفعله نتنياهو هو اعادة السفير من واشنطن. والسبب بسيط: ليس لاسرائيل سفير في واشنطن منذ أربع سنوات. فقد بعث نتنياهو، في نية مبيتة وعقل صاف، الخرقة الاكثر احمرارا التي يمكن ان ترسل الى هذا المنصب، وفقد العلاقة الحميمة التي كانت لكل رئيس وزراء مع البيت الابيض. لقد جلسنا يوم الجمعة وتعرقنا دون أن نعرف ماذا سيحصل، حتى اللحظة التي لم ترفع فيها السفيرة الأميركية يدها ضد المشروع في مجلس الامن. واذا كنا بدأنا بيهودا المكابي، فهذا هو الوقت للذكر بان مملكة الحشمونائيين بقيادته بقيت 80 سنة.
نبدأ بالبشائر الطيبة: هذا الصباح أشرقت الشمس على ما يبدو. وتلوح امكانية أن هذا يحصل غدا أيضا. فليس لقرار مجلس الامن 2334 الذي اتخذ مساء يوم الجمعة باغلبية هائلة (14 مؤيدا باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت) أي آثار ملموسة او حقيقية على الارض في المستقبل القريب. القرار تصريحي وليس عمليا. وبصفته هذه، لن تأتي في اعقابه عقوبات لأنه اتخذ وفقا للمادة 6 من ميثاق الامم المتحدة، وليس المادة 7 (التي تعني اتخاذ اجراءات بما فيها العقوبات).
ومع ذلك، للقرار امكانية هدامة كاملة. فهو يمنح ريح اسناد للمتربصين لنا بالشر، لمنظمات الـ "بي.دي.اس"، لمطلقي حملات المقاطعة، ولمحيكي المؤامرات. وهو يتخذ في الوقت الذي تجري فيه المحكمة الدولية في لاهاي في اسرائيل "فحصا أوليا" حول رفع لوائح اتهام جنائية في موضوع المستوطنات. وهو سيشجع كل من يحاول تمييز إسرائيل عن كل ما يوجد خلف الخط الاخضر. وسم بضائع، اناس، بنوك، ومشاريع. هذا قرار غير جيد، يمكنه ان يتسبب لنا بمشاكل عويصة. والسطر الاخير، الذي يصعب الاعتراف به وليس لطيفا ذكره هو اننا كسبنا هذا القرار بجدارة.
أين أصدقاؤنا؟
شملت مسيرة صارخي النجدة وممزقي الثياب حدادا كل الطيف السياسي في اسرائيل تقريبا. من الرئيس ريفلين عبر يائير لابيد وكل الناطقين بلسان اليمين على اجياله تنافس الرفاق في شتم الرئيس باراك (حسين!!) اوباما وتوجيه الاتهامات والاهانات للادارة الأميركية المنصرفة؛ "اللاساميين" كانت أقلها حدة. رغم الحزن، لكن الحقائق لا تتعاون مع هذا النهج. قبل كل شيء المنزل: ليست الامم المتحدة هي التي اتخذت هذا القرار، بل 14 دولة. فلماذا لا يسأل احد عن بريطانيا مثلا؟ كم من الارتياح شعرنا به عندما أطلقت رئيسة الوزراء، تريزا ماي، مؤخرا خطابا صهيونيا حماسيا في صالحنا؟ وبالفعل، فقد صوتت بريطانيا الى جانب القرار. لم تمتنع مثل الولايات المتحدة. بل مع القرار. ومثلها فرنسا. وأين صديقنا التاريخي، الذي قضى نتنياهو معه الوقت الاطول في السنتين الاخيرتين اكثر من أي شخص آخر، باستثناء سارة، فلاديمير بوتين؟ صوت مع. والصينيون، الذين نعيش معهم قصة غرام ساخنة ويعجبون بالارض التي نسير عليها؟ مع. إذن يمكن أن نشتم الامم المتحدة من هنا وحتى "عامونا". ولكن هذا هو العالم كله الذي يتخذ سياسة موحدة وواضحة في موضوع المستوطنات. بالمناسبة، فانه حتى دونالد ترامب لن ينجح في تغيير هذا.
والآن الى الجوهر: قرار مجلس الامن لا يجدد شيئا. فهذه هي سياسة العالم منذ سنوات جيل. لا يغير القرار المكانة القانونية للمستوطنات، إذ إنها تعتبر غير قانونية وغير شرعية حسب ميثاق جنيف من اللحظة الاولى. هذه هي سياسة كل رؤساء الولايات المتحدة بصفتهم هذه، دوما. القرار لا يملي شروطا للتسوية الدائمة ولا يفرض تسوية على اسرائيل. العكس هو الصحيح، القرار يقضي بان الخط الاخضر هو الحدود للتعاطي بين اسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، الا اذا تقرر خلاف ذلك في المفاوضات بين الطرفين. بمعنى أن النهج الذي بموجبه يحتمل حدوث تبادل للاراضي وضم الكتل الاستيطانية الكبرى الاسرائيلية يتلقى مصادقة متجددة.
العنوان على الحائط
آمل من أجل نتنياهو (ومن أجلنا ايضا) ان عميقا في القلب على الاقل يعرف الحقيقة: كان هذا سجلا من الفشل معروفا مسبقا. فقد حذر عشرات ومئات المرات، في هذه الصفحات ايضا. كان يمكنه أن يمتنع عن كل هذا، وبأبخس الاثمان. لا حاجة ليعيد اراضي او يعرض امن اسرائيل للخطر كي يتجاوز هذا العائق. كان يحتاج بالاجمال ليتصرف كزعيم مسؤول، وكإنسان. ولكن نتنياهو استهتر استهتارا طويلا بالمحذرين والمنبهين وبكل الاشارات والعناوين التي على الحائط. فهو لم يحاول فقط اسقاط اوباما في 2012 فقط، بل أصر ايضا على أن يهبط في الكونغرس من خلف ظهر الرئيس (كي يمنع الاتفاق مع ايران!!)، ويفتح حسابا دمويا مع رئيس القوة العظمى الاقوى في العالم. يمكننا الآن أن نروي لانفسنا قصصا وحكايات حتى ما لا نهاية، ولكن الحقيقة بسيطة وفاقعة: من يحاول أن يمسك كل شيء، نهايته ان يبقى بلا شيء. من يفضل الـ 40 عائلة من "عامونا"، يخسر "غوش عتصيون" و"اريئيل" و"غيلو". من لا يميز بين المستوطنات المنعزلة والبؤر الاستيطانية غير القانونية وبين الامر الاساس، نهايته أن يدفع الثمن. من يجيز قانون التسوية على رأس اوباما في الشهر الاخير لولايته ويأمل في أن يفلت بلا عقاب، يكذب على نفسه ويراهن على أمننا جميعا.
لقد حذر نتنياهو نفسه وقال، بصوته وبكلماته، إن اجازة قانون التسوية من شأنها ان تؤدي بنا الى لاهاي. وبعد أن قال ذلك هرع ليصوت الى جانب القانون. لماذا؟ بسبب بينيت. الخوف من امكانية أنه في المرة القادمة لن يتمكن من سحب المقاعد من بينيت في يوم الانتخابات دفعه ليتصرف بصغر نفس، وليس كزعيم وطني. لقد حرص رؤساء الوزراء من الاسرائيليين منذ الازل على محاولة التمييز بين الكتل الاستيطانية على أمل أن يساعدهم العالم في يوم الامر في ابقائها تحت سيادتنا. نتنياهو هو أول من انتهك هذه القاعدة. قانون التسوية هو تغيير، بأثر رجعي، لقواعد اللعب. هذا هو القانون الذي قصم ظهر اوباما وقدم له الدفعة الاخيرة ليفعل القليل الذي فعله يوم الجمعة الماضي.
أضع الآن روحي في راحتي وأقول بضع كلمات في حق الرئيس اوباما. هذا اللاسامي هو الرئيس الذي خدم أكثر من أي رئيس آخر قبله امن اسرائيل. هذه الشهادات تعود لكل رؤساء أذرع الامن في السنوات الثماني الاخيرة. فضلا عن المساعدة الامنية الجارية، استثمر هذا الرئيس الذي تكرهه اسرائيل مليارات اخرى في "القبة الحديدية". عمق جدا التعاون الاستخباري والاستراتيجي. دافع عن اسرائيل بجسده طوال السنوات الثماني. وفي عهده لم يتخذ أي قرار مناهض لاسرائيل بدون فيتو (حتى يوم الجمعة). في 2011 استخدم الفيتو ضد قرار مشابه جدا لذاك الذي اتخذ الآن. لأنه آمن بقواعد اللعب وأعطى فرصة للاطراف. وقد استخدم هذا الفيتو رغم أن القرار هو في واقع الامر ترجمة لسياسته وليس فيه أي شيء يتعارض وفكره. في واقع الامر، استخدم أوباما في 2011 الفيتو ضد نفسه، ومن أجل اسرائيل، لأن نتنياهو لم يحطم الاواني. ما تغير بين 2011 والآن هو حقيقة أن اسرائيل غيرت قواعد اللعب، ركلت كل المسلمات، وفعلت كل هذا من خشبة القفز. لا يتردد نتنياهو في أن يقول المرة تلو الاخرى انه يعارض حل الدولتين (وبعدها يتراجع)، فضل أن يشكل الحكومة الاكثر تطرفا من اي وقت مضى في اسرائيل، وجاءت الذروة مع قانون التسوية. لقد فهم اوباما، بتأخير، بان نتنياهو ببساطة جعل منه اضحوكة على مدى السنين. اما عندنا، بالمقابل، فمقتنعون بان اوباما هو في واقع الامر خادم ثقة لمركز الليكود وسيكون ملزما دوما بان يرقص حسب العزف في بلفور. وبالفعل، هذا لا ينجح على هذا النحو. لقد لعب نتنياهو بالذخر الأميركي وركله بقدم فظة. خرب على التأييد الذي تلقته اسرائيل تقليديا من الحزبين الأميركيين (وفي تلك الكلمة في الكونغرس) تآمر على الرئيس وأهانه وزق له اصبعا في العين في كل فرصة. من اعتقد أن كل هذا سيمر بلا رد، اخطأ. أتصور كيف كان اليمين سيحتفل لو ان الأميركيين استخدموا الفيتو، أول من أمس. واي حملة تشهير كانت ستحل على كل اولئك، بمن فيهم الموقع أعلاه، ممن حذروا من رد محتمل من الرئيس. والآن، بعد أن تحققت التحذيرات، نجد ان وسائل الاعلام هي المذنبة.
من يقول انه ليس مناسبا وليس متبعا القيام بأفعال كهذه في الشهر الاخير في المنصب، يجدر به أن يراجع التاريخ: الرئيس كلينتون، المتعاطف مع اسرائيل، طرح مبادئه في الايام الاخيرة لولايته. الرئيس ريغان، الجمهوري، فتح حوارا مع "م.ت.ف" في الشهر الاخير لولاياته. أميركا هي دولة مرتبة واوباما يمكنه حتى أن يشن حربا في 20 كانون الثاني اذا اراد. الموضوع هو أن اوباما يريد السلام بالذات.