«براميل» كثيرة من الحبر الاسود ستُسال على صفحات بيضاء، وتصريحات عديدة ستندلق في تسارع واغتباط لن يتوقفا, من الذين يُقيمون وزناً لمصطلح «المجتمع الدولي» المنافِق, ومقالات لن تُحصى ستُدَبّْج ترحيباً واحتفالاً بالقرار 2334 الذي اصدره مجلس الأمن, لم يكن لِيمُر لولا امتناع ادارة اوباما عن استخدام «الفيتو» الذي مارسته الادارات الاميركية المتعاقِبة, لثلاث وثلاثين مرة لصالح اسرائيل منذ قيامها وبالضد من كل العرب, الذين يتغنى معظمهم بانه يقيم علاقة «صداقة» وشراكة معها، بعضهم لا يتورع عن وصفها بالاستراتيجية، فيما هي لم تَرْق ذات يوم الى هذه المنزلة كماً ونوعاً, كتلك الحال التي تقيمها مع الدولة الديمقراطية «الوحيدة» في الشرق الاوسط على ما أكدت سامانثا باور في كلمتها المسمومة أمام مجلس الأمن, التي كانت كلمة اعتذارية وتبريرية, بل وصلت حدود الانبطاح, فقط للقول لاسرائيل أنها «اضطرّت» للامتناع, بعد ان لم يعد بمقدورها تجاوز «الاهانات» التي الحقها نتنياهو بِاوباما ,الذي لا يستطيع «توريث» القرار الى خلفه دونالد ترامب, الذي قال تعليقاً على التصويت «المشين» لمجلس الأمن: «ان العلاقة مع الأمم المتحدة ستكون (مختلفة) عندما يدخل البيت الابيض».
وإذا كان البعض وخصوصاً في السلطة الفلسطينية، قد وصف القرار بانه «صفعة لإِسرائيل» فيما عواصم عربية رأته» تاريخياً»، فإن على اصحاب الذاكرة ان لا يُسقِطوا من حساباتهم سلسلة القرارات «التاريخية» التي طالما رحب بها العرب والفلسطينيون، سواء صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة ام تولّت ذلك المؤسسات والهيئات المنبثقة عنها, مثل المحكمة الدولية ومنظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية وغيرها ذات الصلة، إلاّ ان شيئاً لم يتغير في سلوك وتوجهات زعماء الدولة الفاشية, التي تواصِل ادارة ظهرها للأمم المتحدة بازدراء واحتقار واضحين, وتَلْقى «تفهُّماً» من قبل بعض العرب، فيما تُغدِق عليها «الدولة الكبرى» التي تشاركها «القيم الديمقراطية».. نفسها, المساعدات الضخمة والاسلحة النوعية والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة والمِنح المالية, التي تُسهِم في تطوير ترسانتها الصاروخية من صاروخ حيتس (السهم) حتى القبة الحديدية، وصولاً الى تزويدها بالطائرة المُتمَلِّصة الأحدث «إف35» و38 مليار دولار هي الاضخم والاكبر في المساعدات الخارجية الاميركية لاي دولة، كما تفاخرت المندوبة الاميركية في معرض كلمتها الاعتذارية عن لجوء ادارتها لخيار الامتناع عن التصويت.
ليس في ما سبق عدمية او محاولة للتقليل من شأن ما قد ينشأ عن قرار نال هذا «التصفيق» الحاد والطويل, الذي قوبِل به اقراره واعتباره جزءاً من قرارات مجلس الأمن، إذا ما نضجت الظروف الدولية والاقليمية وخصوصاً العربية والفلسطينية وأعاد الطرفان العربي والفلسطيني تعريف من هو «العدو»، بعد ان اختلطت المفاهيم والمواقف والرؤى والتحالفات, وبات البعض يرى في اسرائيل حليفاً محتملاً وربما قائما فيما يرى في دولة اسلامية مجاوِرة, عدواً مذهبياً اكثر خطورة من المشروع الصهيوني الكولونيالي الاحلالي العنصري.
لهذا لفتتني معلومة اوردها موقع اخباري الكتروني فلسطيني «أمد», جاء فيها ذِكر للقرارات السابقة التي اصدرها مجلس الأمن حول الاستيطان اليهودي وحملت الارقام 446 و452 و465 و473 في السنوات التالية: اذار 1979، تموز 1979، اذار 1980، آب 1980 على التوالي، لكن فقرة واحدة منها لم تجد طريقها الى التنفيذ, بل واصل الاستيطان اليهودي الانتشار على نحو سرطاني وبخاصة بعد اتفاق اوسلو الكارثي, الذي يُبدي اصحابه الان صخباً لافتاً في الترحيب بالقرار 2334 والذي أحسب انه سيوضع على الرف حتى فلسطينياً (دع عنك اسرائيلياً) وسيكون المفاوض الفلسطيني اول من يُدير ظهره له, عندما سيوافق وبحماسة, على مبدأ تبادل الاراضي والإبقاء على الكتل الاستيطانية «الكبرى» التي ستكون ضمن حدود اسرائيل «اليهودية الديمقراطية»، كما حدث تماماً بعد «قراري» اليونسكو بعدم وجود اي صلة لليهود في الحرم القدسي الشريف، فيما يقول اصحاب اوسلو: ان القدس هي لِأصحاب الديانات السماوية الثلاثة، أي «طز» في اليونسكو وقراراتها.
القرار صدر وعَكَسَ – ضمن أمور اخرى – مدى العزلة السياسية والدبلوماسية التي يمكن ان تلحق باسرائيل, إذا ما كان توفّرَ جهد عربي وفلسطيني صادق وجاد ومبدئي, يستطيع ان يأخذ الصراع الى مرحلة ووجهة مختلفتين عما هو سائد الان, من تهميش للقضية الفلسطينية وتقديم ملفات وقضايا أخرى ذات طابع ثأري وتصفية حسابات داخل الصف العربي والفلسطيني، فضلاً عن الرغبة العربية والفلسطينية (الرسميتان) في منح اولوية لخريطة تحالفات واصطفافات جديدة «تغْرِف» من معين الفوضى التي تفرض نفسها على المشهد العربي, بعد ان دخل العرب في حروب عبثية رغبوا في ان يقطعوا مع ماضيهم (الذي هو أيضاً غير مضيء ولا يدعو للفخر) كي يقيموا «عروبة» من نوع آخر لم تتضح ملامحها بعد، رغم انها بدت للحظة وكأنها ستكون نتاج كل الحروب والحرائق التي تشتعل في دول عربية عديدة، لكنه «مكر التاريخ» ربما الذي اجهض الكثير من هذه الاحلام المريضة, وربما ينجح في استعادة بعض الرشد والإتّزان.
المبالَغة في الترحيب والاحتفال بالقرار 2338، لن تُسهِم في اقناع الجمهور العربي, بأن شيئاً جوهرياً في سبيله الى الانجاز والتَحقُّق, ولهذا سيكون من الحكمة والرشاد عدم رفع سقف التوقعات, حتى لا نحصد المزيد من الخيبات.
عن الرأي الأردنية