طلب رئيس الوزراء، أول من أمس، من وزراء حكومته الامتناع عن السفر لزيارة الدول التي صوتت إلى جانب مشروع القرار في مجلس الأمن. ويدور الحديث، بالإجمال، عن روسيا، الصين، اليابان، أوكرانيا، فرنسا، بريطانيا، انغولا، مصر، اورغواي، اسبانيا، السنغال، ونيوزيلندا.
ليس لنا، على ما يبدو، ما نبحث عنه هناك. وفي الوقت ذاته تقريبا، طلب نتنياهو إقرار 180 مليون شيكل أخرى لتمويل الطائرة الخاصة التي يفترض بالدولة أن تشتريها لاستخدامه، طائرة إجمالي كلفتها يقدر بنحو 400 مليون شيكل.
في وتيرة الأمور الحالية، إلى أن تكون الطائرة، لن يكون ثمة مكان لتطير إليه. سيكون ممكناً استئناف مبادرة برزت فجأة قبل عقد او اثنين وأطلق عليها اسم «الطيران إلى اللامكان»، وفي اطارها اشترى الناس بطاقات، قاموا بجولة في الديوتي فري، وحلقوا في طيران قصير في سماء البلاد.
كان الهدف في واقع الامر هو تلك الجولة في الديوتي فري. اما اليوم فيبدو أن هذا الهدف بات غامضا أكثر بكثير.
هذه هي حملة العقوبات الفاشلة والاكثر هزءا التي تشهدها الساحة الدبلوماسية في التاريخ الحديث.
خذوا مثلا اللقاء مع رئيسة وزراء بريطانيا، تريزا ماي.
فقبل بضعة أسابيع فقط تأثرنا لسماع أقوالها المؤيدة لاسرائيل بشأن اللاسامية والهجمات على إسرائيل.
والان يلغي نتنياهو أول لقاء معها في المنصب. لا حاجة ليكون المرء سفيرا كيف يفهم بأن اسرائيل بحاجة لبريطانيا كثيرا، كثيرا جدا. اكثر بكثير مما بريطانيا بحاجة لإسرائيل. فمن يعاقب هو هنا. انظروا الى دعوة كل سفراء الدول العاقة الـ 12 الى حديث توبيخ في وزارة الخارجية في ذروة عيد الميلاد، العيد الاكثر قدسية للمسيحيين.
تصوروا أن فرنسا كانت ستستدعي سفير اسرائيل للتوبيخ في «يوم الغفران». ماذا كان سيحصل هنا وكم مرة كانت ستنطلق كلمة «لاسامية» على لسان رئيس الوزراء؟
ان سلوك رئيس وزراء اسرائيل يثير الخوف من أن تكون قدرته على التحكيم العقلي مختلة وسلم اولوياته تشوش تماما. ولمن لا يزال يهتم بالحقائق: اسرائيل لا تخيف العالم. حتى لو توقفت عن تمويل السنغال (!) ومؤسسات الامم المتحدة، فان احدا لن يشعر بذلك. فالحديث يدور عن اقل من قروش. في نيوزيلندا لن يعلنوا الحداد على اعادة السفير الاسرائيلي للتشاور في البلاد.
فأحد في العالم لا يتأثر حقا بنوبة العظمة الاسرائيلية، مثلما تجد تعبيرها في زبد العقوبات التي يفرضها بنيامين نتنياهو على الاسرة الدولية. ففي الحد الاقصى ستفرغ بضعة مقاعد في كامب نوا او في سانتياغو برنباو في السوبر كلاسيكو التالي. قصة كبيرة.
ان دافع حملة العقوبات السخيفة هذه بسيط: نتنياهو يحاول أن يكون ترامب. يتجاهل تماما المصلحة القومية الحقيقية ويتظاهر بالرجولية. اذا كان هذا نجح في أميركا فلماذا لا ينجح هنا ايضا؟ الضجيج، الجلبة، اشعال الشموع في الكوتل – المبكى والاعلان عن براك اوباما كهامان الشرير ببساطة تستهدف خلق مقاعد انتخابية. شيء آخر: فهي تساعد أيضا في اخفاء الحقائق الحقيقية والحجم الهائل للقصور السياسي، القيادي، والشخصي الذي انكشف هنا. القرار في مجلس الامن كان يمكن منعه بسلوك معقول وسوي العقل من زعيم مسؤول؛ كل ما ليس موجودا في سلوك نتنياهو، مؤخرا.
ان جنون العظمة هذا واضح ليس فقط في المجال السياسي. فقد نشر جي بيلغ في القناة 2، أول من أمس، قصة تمثل استمرار ميل الاحساس بالظلم في اسرائيل. اساف روزنبرغ، المسؤول عن الانضباط في ديوان شؤون الموظفين في الدولة، تلقى استدعاء للاستماع قبل الاقالة من المأمور موشيه دايان (تعيين نتنياهو).
ويدير روزنبرغ صراعا عنيدا على مدى السنين ضد كل محاولات تعيين اشخاص غر مناسبين في مناصب اساسية في مكتب رئيس الوزراء وفي اماكن اخرى. وفي الاسابيع الماضية أدخل يده الى النار تماماً، ووقف ضد محاولة تعيين رفقا باولوخ، المتفرغة الاصولية السياسية، للمنصب الحساس الذي يربط رئيس الوزراء بالكنيست. باولوخ مقربة جدا من عقيلة رئيس الوزراء، سارة نتنياهو. بعث روزنبرغ مؤخرا برسالتين حادتي اللهجة ضد التعيين. والرسالتان توجدان لدى «معاريف الاسبوع» وتفصلان اشكالية التعيين. اما ديوان الموظفين، في نهاية المطاف، فلم يقبل موقفه وفضل موقف مكتب رئيس الوزراء، الذي اسنده المستشار القانوني للحكومة. والان يعتزمون اقالة روزنبرغ.
ليست هذه صدفة: فعندما يتجرأ ميني نفتالي على التظاهر امام منزل المستشار القانوني للحكومة، ينقض عليه افراد الشرطة بالضرب المبرح ويعتقلونه (المظاهرة كانت بترخيص). وعندما يعارض المسؤول عن الانضباط في ديوان الموظفين في الدولة تعيينا جاء من «بلفور» يقيلونه. وتوجد نماذج عديدة اخرى. ان مسيرة تحول الديقراطية البرلمانية الاسرائيلية الى ملكية مطلقة على نمط لويس الرابع عشر قد اجتازت منذ الان نقطة اللاعودة.