قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جاء بإجماع الدول الأعضاء في المجلس، وكان كلمة واضحة أدانت السياسة «الإسرائيلية» بشقيها: الاحتلال والاستيطان. وبهذه الكلمة قال العالم كله إن كليهما غير شرعي. ومنذ ستة وثلاثين عاماً لم يقل العالم كلمة بهذا الوضوح والقوة في شأن الاستيطان. ولكن أن يدين العالم السياسة «الإسرائيلية» في قرار شيء، وأن يوضع القرار موضع التنفيذ شيء آخر ! فهذا القرار ليس القرار الأول الذي يدين السياسة «الإسرائيلية» وجرائمها المختلفة، ولا هي المرة الأولى التي يدان فيها الاحتلال والاستيطان ويعتبران غير شرعيين! وكم من قرار أخذ طريقه إلى الأدراج ليغطيه الغبار!
لقد كان الموقف الأمريكي مثار تعليقات كثيرة، وصل بعضها إلى اعتباره «تحولاً» في السياسة الأمريكية ، قبل أن يستلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سلطاته، وقبل أن تختبر تصريحاته الموالية للكيان الصهيوني، وهو الذي يراهن عليه ائتلاف نتنياهو الحاكم. وسواء جاء هذا الموقف انتقاماً وتصفية للحسابات المعلقة بين أوباما ونتنياهو، أو كان يعبر عن يأس قطاع من القوى المتنفذة في الولايات المتحدة من السياسة «الإسرائيلية»، إلا أن الأمر لا يسمح باعتباره «تحولاً» في سياسة دولة استعملت حق (الفيتو) ثلاثين مرة منذ 1967 لحماية الكيان وضمان أمنه ، وفتح الطريق أمامه لتنفيذ سياساته. وإذا كان العالم قد أصبح غير مستعد للتغاضي عن سياسة هذا الكيان العدوانية والتوسعية والعنصرية، فإن المواقف العملية لإجباره على الالتزام بالقانون الدولي و«الشرعية الدولية» والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تتطلب أكثر بكثير من قرار في مجلس الأمن.
وبطبيعة الحال ليس المقصود من هذا هو التقليل من الأهمية المعنوية للقرار، بل المقصود ألا يتم التعامل معه وكأنه الكلمة الأخيرة في الموضوع. وحتى كبار المعلقين الصهاينة لم يروا فيه «جديداً»، وأنه لا يزيد عن كونه موقفاً «تصريحياً وليس موقفاً عملياً». وبصفته هذه لن تترتب عليه أية عقوبات لأنه اتخذ استناداً إلى المادة السادسة وليس المادة السابعة (معاريف بن كسبيت 25/12/2016). والهستيريا التي ظهرت أعراضها على نتنياهو في ردود فعله على القرار، تجعل من غير المستبعد أن يرد عليه بمصادقة حكومته على بناء مستوطنات جديدة، بعد أن سن التشريعات في الكنيست التي «شرعنت» البؤر الاستيطانية بأثر رجعي، وأباحت الاستيلاء على مساحات جديدة من الأرض! فماذا سيكون موقف العالم عندئذ؟
لكن ما يجعل هذا القرار خطوة «في الاتجاه الصحيح»، هو الموقف الفلسطيني وليس غيره، وكيف ستتعامل معه السلطة الفلسطينية. وما صدر عنها بعد صدور القرار لا يبشر بخير، إذ أظهر أن التمسك بالمواقف المستسلمة القديمة لم يدخل عليه أي تحديث! وتعليقاً على القرار، رأى الرئيس محمود عباس، في كلمة ألقاها في احتفال بعيد الميلاد في بيت لحم، أن القرار «لم يحل القضية، لكنه فتح الباب من أجل المفاوضات»!! ودعا عباس الجانب «الإسرائيلي» إلى «الجلوس على طاولة المفاوضات لبحث كل القضايا المعلقة»، في وقت دعا فيه وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان بقطع كل الاتصالات مع السلطة الفلسطينية «باستثناء التنسيق الأمني»! بينما وعد عباس «الإسرائيليين» بالقول «إذا وافقتم على ذلك فإن 57 دولة عربية وإسلامية جاهزة فوراً للاعتراف بإسرائيل»!! والغريب أن ينسى الرئيس محمود عباس عشرين سنة من الجلوس على طاولة المفاوضات والتي كانت فائدتها خالصة للبرنامج الصهيوني! أما الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، فكان فرحاً بالقرار لأنه شكل «صفعة كبيرة للسياسة «الإسرائيلية»، وإدانة بإجماع دولي للاستيطان، ودعماً قوياً لحل الدولتين»! ولقد نسي أبو ردينة أن «الصفعات» لا تنهي الاحتلال، ولا توقف الاستيطان، ولا تساعد «حل الدولتين»، ما لم يترافق ذلك مع مواقف فلسطينية تجعل من هذا القرار أداة ضمن أدوات أخرى لإجبار الحكومة «الإسرائيلية» على احترامه وتنفيذه.
إن الحق الفلسطيني ثابت، والقرارات الدولية تدعمه، لكن ما يجعله قابلاً للتحقيق يبدأ بالتخلي عن (اتفاق أوسلو) وأسلوب المفاوضات الفاشل، ولا ينتهي ب «المقاومة الشعبية السلمية»، بل يصل إلى تجنيد كل إمكانات الشعب الفلسطيني لجعل الاحتلال عبئاً حقيقياً على كاهل الكيان الكولونيالي العنصري. ولا يستطيع فعل ذلك إلا المقاومة المسلحة، وكل أشكال المقاومة. فلم يوجد اللص المستعد لتسليم مسروقاته طواعية واختياراً!!
عن الخليج الاماراتية