باراك أوباما: يا رايح كثّر ملايح!

رجب أبو سرية
حجم الخط

لم تصحُ الحكومة الإسرائيلية بعد الصدمة الناجمة عن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار  حاز على تأييد أربعة عشر عضواً آخر في مجلس الأمن، بمن فيهم مندوبون دائمون في مجلس الأمن، ممثلو كل من بريطانيا العظمى وفرنسا، حتى كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوجه لها صفعة أُخرى، سيتردد صداها _ لا محالة _ بعد نحو أسبوعين، في باريس، حيث يعقد المؤتمر الدولي الخاص بالملف الفلسطيني / الإسرائيلي وسبل الدفع به، حتى يجد له حلا ينعكس على مجمل ملفات الشرق الأوسط، والذي طال انتظاره، وكانت باريس قد دفعت به، لتملأ فراغاً سياسياً، بعد أن عجزت واشنطن عن المتابعة الناجحة للملف بفصله التفاوضي الممل، وخشية أن يتحول الملف بكامله لموسكو، خاصةً خلال الفترة التي دخلت فيها الولايات المتحدة فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
جاء ذلك بعد أن كان قد أجدى الضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي الجمهوري المتشدد المنتخب دونالد ترامب على الرئيس المصري، وكان سببا في تراجع مصر قبل أسبوع عن التقدم بمشروع القرار لمجلس الأمن المندد بالاستيطان الإسرائيلي، إلا أنه  لم يُجدِ نفعاً مع إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي قال عن حق، بأنه لو ترشح لولاية ثالثة لفاز بسهولة على ترامب، في إشارة إلى أن ترامب لم يفز لأنه صاحب شخصية قوية، بل لأن هناك من لعب من تحت الطاولة، ولأن منافسته، هيلاري كلينتون، كانت لديها ثغرات أمنية خاصة، تسببت في خسارتها أمام منافس لا يستحق أن يكون رئيساً للولايات المتحدة. المهم أن الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض، وعملا بنصيحة أكثر من شخصية في الحزب الذي خرج من الرئاسة، تسير في أيامها الأخيرة بالبيت الأبيض على طريق سياسي متوازن، ومهم جدا، تهدف من خلاله الى "تصعيب" مهمة  الانحراف بالسياسة الخارجية الأميركية بالشرق الأوسط، حتى لا يزيد لهيب التطرف والاحتراق، بما يمكن أن ينطوي على مخاطر وجود وقوة تأثير واشنطن بالمنطقة.
ليس عبثاً، إذن، أن موسكو كانت تفضل دونالد ترامب، دونا عن معظم العالم، بما في ذلك أصدقاء أميركا الأوروبيون، ذلك أن ما يبديه الرجل، من صلف وتشدد، سينفر الآخرين من أميركا ويرمي بهم إلى أحضان روسيا / بوتين الطامحة لإعادة أمجاد قياصرة الشرق.
قال جون كيري في كلمته أول من أمس، ما لم يقله الفلسطينيون أنفسهم، أو أنهم قالوا به، ولم يستمع لهم أحد: على إسرائيل أن تختار إما أن تكون دولة ديمقراطية أو دولة يهودية، فلا يمكنها أن تكون الاثنتين معا. ليضع حدودا فاصلة، مع قوة الدفع التي حققها قرار مجلس الأمن الذي فتحت له إدارة أوباما الطريق، بين اعتراف العالم بدولة إسرائيل واحتلالها لأرض دولة فلسطين، وليحدد إطار أية مفاوضات للحل على أساس وضع حد لأطول وأسوأ احتلال خارجي في التاريخ، على أبواب مؤتمر باريس الذي ستشارك به نحو 70 دولة ومؤسسة دولية.
قبل أن يدخل بقدميه الاثنتين بوابة البيت البيض، سيجد دونالد ترامب ومعه بنيامين نتنياهو، معارضة دولية، خاصة في الملف الذي استمر وضعه على طاولة التداول الدولي أطول فترة، وكما لم يحدث مع أي ملف سياسي من قبل، وبالتالي لن يجد الرجلان طريقهما معا مفروشة بالورود، بل سيجدانها شاقة وملتوية، ومليئة بالمنعطفات والمطبات، وإذا ما قامت واشنطن _ كما وعد ترامب _ باعتماد سياسة شاذة تجاه الاستيطان، من قبيل انه ليس عقبة في طريق السلام _ كما قال ترامب ضمن خطابه الانتخابي _ أو انه أقدم على نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، فان الولايات المتحدة، حينها لن تجد نفسها قد خسرت المعركة في سورية وحسب، بل ربما لا يطول الوقت حتى يتم طردها من العراق، وربما ليبيا، مصر ومجمل شمال أفريقيا، وحتى ربما تجد نفسها قد بدأت رحلة العودة، إلى الديار، أي إلى ما وراء المحيط الأطلسي.
إلى جانب روسيا، ربما نجد اتحادا أوروبيا قويا بزعامة ألمانيا _ فرنسا _ بريطانيا، مع الصين من بعيد واليابان، وغيرها، تدفع قيادة العالم لتكون قيادة جماعية أو متعددة الأطراف بعد أن ضاق الجميع ذرعا بتفرد الولايات المتحدة به.
لكن، ولأن المواقف الانتخابية سرعان ما تتبدد، في دولة المؤسسات، وتعود السياسة الخارجية الأميركية إلى مسارها الطبيعي، فانه لا يمكن القول بان ما يبديه ترامب الآن من مواقف سياسية، خاصة بالشأن الفلسطيني / الإسرائيلي، ستكون هي سياسة البيت الأبيض والخارجية الأميركية تماماً، خلال ولايته الرئاسية، لكن يمكن القول، بأن ائتلافا دوليا معارضا لما يعلنه الرجل من مواقف _ الآن _ قد بدأ بالتشكل، وربما لا يتوقف عند حدود الشأن الفلسطيني / الإسرائيلي.
يمكن القول أيضا، بأننا قد نكون إزاء ظاهرة سياسية جديدة في الواقع الأميركي، وهي أن يمارس الحزب الخارج من السلطة المعارضة السياسية، بشكل مكشوف وعلني وواضح، كما هو الحال في إسرائيل _ مثلا، التي بدأت تفاعلات أصداء كل من قرار مجلس الأمن 2334 وكلمة كيري تتردد في داخلها لتعلن بدء معركة إسقاط حكومة اليمين _ اليمين المتطرف، المسنودة من المستوطنين.
لكن وبالعودة إلى موقف البيت الأبيض الديمقراطي يمكن القول أيضا بأن مواقف كل من باراك اوباما وجون كيري، تشبه إلى حد بعيد مواقف المرشحين للانتخابات، فهي تبدو " متجردة أو متحررة " من التزامات السياسة وحساباتها، ذلك انه لابد من طرح السؤال، الذي يقول أين كانت تلك المواقف خلال ثمانية أعوام مضت، فلو أن البيت الأبيض والخارجية الأميركية قد اتخذا مثل هذه المواقف، نقصد الامتناع عن استخدام الفيتو ضد القرار 2334، والقول بان يهودية إسرائيل تتناقض مع ديمقراطيتها، من قبل، ألم يكن من الممكن حينها البناء عليها، بضغط حقيقي على إسرائيل، كان يمكن أن تكون سببا في وقف التحول المتواصل تجاه اليمين والتطرف فيها، وبالتالي كان يمكن التوصل لحل مع وجود طرف فلسطيني معتدل، ومستعد فعلا للتوصل إلى حل تاريخي، ويعتبر شريكا حقيقيا لسلام حقيقي؟