المعالجة تفوق القدرات الأمنية

حمادة فراعنة
حجم الخط

ما زلنا كمواطنين لم نستوعب بعد أننا في حالة حرب على ثلاث جبهات متصلة حيناً ومنقطعة أحياناً، تستهدف أمن الأردن واستقراره وتقدمه وديمقراطيته، الجبهة الأولى هي محاولات التسلل واختراق الحدود لتهريب أسلحة أو عناصر بهدف تنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات أردنية، والجبهة الثانية تتمثل بمحاولات تنفيذ عمليات من قبل خلايا كامنة، كما سبق وحصل في إربد واليوم في الكرك، بما فيها عمليات فردية تنتمي لنفس المدرسة نفذت عملية البقعة، وعملية اغتيال الكاتب ناهض حتر، أما الجبهة الثالثة، فهي التصدي لتجار المخدرات وعصابات إجرامية ذات طابع جنائي، وقد بدأ الاهتمام بهذه العناوين من قبل كافة الأجهزة حيث تتعاون مع بعضها مجتمعة، لأن هذا يعود إلى التأثير المتبادل من قبل هذه العوامل على حياة الأردنيين، الذين استفادوا وتعلموا من نتائج الربيع العربي، وأدركوا مخاطر الحروب البينية لأنها تصب في مجرى واحد، رغم تعدد وتفاوت مصادرها، وهذا يعود لأسباب مختلفة يقف في طليعتها: 
أولاً: الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة وهي التي تجعل من الإنسان الفرد المواطن متذمراً مقهوراً لعدم تمكنه من توفير حاجاته وعدم قدرته على نيل تطلعاته.
ثانياً: شيوع ثقافة التطرف والتخلف والأحادية واللون الواحد والأصولية والعداء للآخر، فقد عملت الحكومات المتعاقبة ومؤسساتها الرسمية على رجحان التحالف مع حركة سياسية واحدة قدمت لها لمدة خمسين سنة فرص العمل العلني والاندماج في المؤسسات الرسمية الحكومية، وباتت تتحكم   بالإعلام الرسمي، والتربية والتعليم، والأوقاف، والجامعات، وبالتالي فرضت نهجها وعقليتها وثقافتها على المجتمع الأردني، في مواجهة التيارات اليسارية والقومية والليبرالية التي تحولت إلى حالة من الغربة عن المجتمع، بينما أحزاب ورؤية وأفكار التيار السياسي الإسلامي بتلاوينه هي السائدة والمفروضة، لندقق في كيفية التعامل مع ذوات محترمة مثل ذوقان عبيدات، وحسني عايش، وزليخة أبو ريشة، ومروان المعشر، وكيف تم اغتيال ناهض حتر حتى ندرك مدى تغلغل التفكير المتطرف الأصولي على عقلية المجتمع الأردني وأغلبية فعالياته، بل دعونا نتوقف لحظة لندقق بأهمية الانتفاضة الفكرية السياسية التي قادها رحيل الغرايبة ورفاقه، ومن قبله عبد المجيد الذنيبات وصحبه، ومن قبلهما أتباع حزب الوسط الإسلامي رغم فشلهم في مواجهة ولادة أخرى انبثقت من رحم نفس التفكير السياسي السائد، فالذي أسس "القاعدة" هو عبد الله عزام شيخ أسامة بن لادن، والذي أسس "داعش" هو أبو مصعب الزرقاوي شيخ أبو بكر البغدادي، وهكذا تجب المصارحة حتى نستفيد منها نحو فرص المعالجة.
لم تكن فرص الانقضاض مقتصرة على التيارات السياسية الأخرى اليسارية والقومية والليبرالية والتعددية الديمقراطية باعتبارها تيارات معارضة بل شملت أيضاً تقويض المحاولات المخلصة التي سعى لها عبد الهادي المجالي، ومن قبله جمال الشاعر وأنيس المعشر، ولم يسلم عبد الرؤوف الروابدة قبل أن يحني رأسه للعاصفة ويعود "للسيستم" ويدرك عدم قدرته على الإبداع والخلق والتنوع، من يتذكر أنه استقال من أمانة عمان ليتقدم لانتخابات مجلس النواب ومعه ذوقان الهنداوي، وهي محاولات جرت من هؤلاء ومن غيرهم لدفع المجتمع الأردني نحو التقدم والتطور والتعددية، ولكنها باءت جميعاً بالفشل أمام تصلب قوى الشد العكسي والتفرد والأحادية وهيمنة العقلية الأحادية المحافظة والأصولية السلفية.