نظرياً وعملياً تؤدي تنمية الصادرات الفلسطينية الى تنمية الصناعة الفلسطينية وزيادة الإنتاجية وتحقيق عملة صعبة لداخل البلد بدلاً من تصدير العملة الصعبة في الخارج، مقابل صفقات الاستيراد ويؤدي حتماً الى زيادة موارد الخزينة العامة، بدلاً من إرهاقها ببيانات جمركية غير دقيقة جراء الاستيراد غير المنظم، والذي يؤثر سلبيا على المنتجات الفلسطينية.
عمليا تنمية الصادرات هدف للحكومات المتعاقبة وهدف للقطاع الخاص، وبنية له مؤسسات ووضعت له برامج وشيد له مجلس للصادرات الفلسطينية، ونظم له جائزة المصدر الفلسطيني، ودعم الاتحاد الأوروبي ما دعم، ودعمت كندا ما دعمت، وبقينا في السقف المتواضع للصادرات، وبقينا ورقيا على مستوى الاستراتيجيات والرؤى، الا أننا لم نستطع ان نتقدم خطوةً الى الأمام سواء على صعيد الصادرات أو على صعيد برنامج حقيقي للتنمية الصناعية، أو على صعيد قانون دعم المنتجات الفلسطينية، أو على صعيد حسن تنفيذ قرار الحكومة في العام 2013 بمنح الأفضلية للمنتجات الفلسطينية المطابقة للمواصفة الفلسطينية في العطاءات واللوازم العامة الحكومية.
المؤسف أننا أيضاً لم نحسن التقدير على مستوى رفع القدرة التنافسية لمنتجاتنا ولقطاعاتنا التاريخية المرغوبة عالمياً، حتى أننا بتنا لا نستطيع ان ننافس فيما كنا ننافس به في السوق العالمي منذ سنوات.
محزنٌ أن تصبح المعارض الخارجية للمنتجات الفلسطينية ليست ذات جدوى كما كانت قبل عشرة اعوام مضت، وبات الاقبال عليها ضعيفا، وباتت ليست ضمن استراتيجية واضحة المعالم تعزز من الهدف الرئيس وهو تنمية الصادرات، ولعل قصص نجاح لهذا المصنع أو ذاك ولهذا القطاع أو ذاك ليست قصة نجاح جماعية، بل هي قصة نجاح خاصة بهذا المصنع، ولا نقلل من شأنها على الإطلاق.
أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني على صعيد حركة التجارة الخارجية في فلسطين والتي تتمثل في إجمالي الصادرات والواردات، بأن التقديرات الأولية أشارت إلى ارتفاع قيمة الصادرات بنسبة 6.3% مقارنة مع عام 2015، كما ارتفعت قيمة الواردات بنسبة 7.3% مقارنة مع عام 2015.
وأوضح الإحصاء في بيان أصدره، أمس، بشأن النتائج الأولية للتجارة الخارجية المرصودة للسلع لشهر تشرين الأول، أن الصادرات إلى إسرائيل خلال شهر تشرين الأول انخفضت بنسبة 1.7% بالمقارنة مع الشهر السابق، بينما ارتفعت إلى باقي دول العالم بنسبة 56.0% وشكلت الصادرات الى إسرائيل 83.5% من إجمالي قيمة الصادرات لشهر تشرين الأول 2016: ومن المعروف ان النسبة الأعلى للحجر والرخام ويأتي بعدها الأثاث، وتتوزع النسبة على قطاعات أخرى خصوصا ان بعض الصناعات لا ترغب السياسات الاقتصادية لديها ان تصنعها داخليا وتسهل احياناً توفير المواد الخام لها، فنرى ان حبيبات البلاستيك العمود الفقري للصناعات البلاستيكية قد ارتفعت نسبة استيرادها الى السوق الفلسطيني كمادة خام.
اليوم ونحن على أعتاب العام الجديد لا بد أن يقبض مجلس الصادرات الفلسطينية على زمام الأمور، وأن يخرج من نطاق الإعداد الذي طال وحال دون انطلاقته الحقيقية وتفعيل دوره وتحقيق نتائج على الأرض، وهذا سيثير نقاشا بالتأكيد حوله، وسيكون محور النقاش هو الدفاع عن موقع المجلس وأهميته بغض النظر عن عدم فعاليته، وأعتقد أن الحكومة برمتها مطالبة بأن تضع هذا الملف على الطاولة للتقييم بعيداً عن الإشادة بجائزة المصدر الفلسطيني كنشاط بات سنوياً، وعملياً نحن لم نرفع الصادرات وظلت أقل من معدلها العام مع الأسواق الخارجية.
وسنذهب صوب جائزة الزيت الذهبية، ونحن عملياً أقل استهلاكاً على المستوى الفردي للزيت، الأمر الذي يسبب فائضاً لدى المزارع، وما زال الزيت لم يصنف ولم يثبت عليه بطاقة بيان وما زال يباع في عبوات البلاستيك، وذات الأمر يقع على قدرة الزيت الفلسطيني على المنافسة في السوق العالمي، وبعد ان كنا ننافس لم نعد ننافس لأن سعرنا غير منافس، وبالنسبة للتصنيفات هناك أصناف زيت باتت حاضرة بقوة بجودة عالية، بعكس التمور الفلسطينية الصاعدة على مستوى التصدير رغم ان هذا القطاع بحاجة لعناية فائقة، خصوصاً ان البعض يحاول تشويه هذا القطاع عبر التعامل مع تمور المستوطنات، وقد تم التشدد في هذا الامر، وما زالت هناك زيادة في الإنتاج تضعف إمكانية التزوير.
لا يجوز قياس الصادرات الفلسطينية بعدد السفرات التي يسجلها المستوى الحكومي ومؤسسات القطاع الخاص، بل الأصل القياس بالنتائج العملية، فما زلنا بعد ان أقمنا الدنيا ولم نقعدها بخصوص الإعفاءات الجمركية للمنتجات الفلسطينية في عديد الأسواق العربية، ولم نعد قادرين على الاستفادة من اتفاقية التجارة مع الولايات المتحدة الأميركية وكندا.
وما زلنا اقل قدرة على الاستفادة من الحيز الضيق المتاح رغم عدم سيطرتنا على المعابر والموانئ، الا اننا ما زلنا غير قادرين على معالجة مكامن الخلل خصوصا توسيع فرص التصدير للمحاصيل الزراعية والتي سجلتها الأعشاب الطبية والبطاطا وغيرها، ولعل قضايا الأعشاب الطبية هي قصص نجاح تستحق الوقوف أمامها ودخولها الى عديد الأسواق العالمية والمنافسة.
والأمر ينسحب على قضايا الاسترداد الضريبي على المنتجات الزراعية المستوردة من الخارج، الأمر الذي يقود أحياناً إلى تراجع الاستيراد المباشر لهذه المحاصيل والاعتماد على الشراء عبر مستورد إسرائيلي، أو تسجيل شركات في إسرائيل للاستيراد عبرها لتحقيق إعفاءات ضريبية تفقد الخزينة الفلسطينية موارد هي أحق بها.
الأمنية أن يسجل العام 2017 عام ارتفاع الصادرات الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية، لأن التصدير إلى السوق الإسرائيلي كخيار وحيد سيبقى مرهوناً بتقلبات سياسية واقتصادية وغيرها قد تكون موجعة إن تقلصت دون بديل عربي وعالمي، وأن يكون مجلس الصادرات الفلسطينية أكثر فاعلية وحضوراً.
غزة و"المعركة النهائية".. إلى أين تسير الأمور؟
14 نوفمبر 2023