كنا ومازلنا من الذين راهنوا على إخلاصك واقتنعوا بنزاهة نواياك وطهارة يدك، ولم يصغوا لصوت دفين داخلهم بأن التغيير الحقيقى لا يأتى عبر دكتاتورية فرضتها عليك تربيتك العسكرية، حلمنا معك بأن نصبح قوة ضاربة تجهض المآمرات وتفشل المكائد وتقهر الإرهاب الذي ضرب بعصاه حزام المنطقة بأسرها، أشفقنا عليك مما يحيكونه لك خفافيش الظلام في لياليهم السوداء، حصار يقوض حركتك ويكبل يديك ويعوق مجهوداتك سياسيا واقتصاديا، مشاريعك العملاقة يخبو بريقها مع كل أزمة تعصف بنا فقد تعود المواطن ألا يرى أكثر من تحت قدميه إنجازات لحظية تؤمن حياته اليومية وتسبر أغوار المستقبل المجهول، ربما سنوات الصبر الطويلة أفقدته القدرة على المثابرة وسعة الصدر والرغبة في الانتظار، ندرك يقينا أنك تعمل وحدك لرفعة شأن الوطن والمواطن وكل من حولك إما تابعين لإظهار ولاء فاقد للأهلية أو فاسدون يعملون عبر أجندات خفية لإجهاض حلمك وإثبات فشلك، دائما يلح السؤال من هم مستشاريك الذين تستمع إليهم وتقتنع بآرائهم؟ هل هم أهل الثقة أم أهل الكفاءة؟ تلح الأسئلة الملتبسة دون إجابات شافية، وتتعمق الحيرة كلما وقعت في فخ الارتجال الذي يستخدمه خصومك ضدك ممن يجيدون فن التشكيك وإطلاق العنان للسخرية والتندر، يحولون نواياك وجهودك المخلصة إلى سياط لاذعة تجلد أجسادنا العارية من حصانة الإيمان بقدرتك على العطاء وبراعتك في القيادة وإجادتك لفن الممكن كى تصل إلى المستحيل.
يقول الشاعر الراحل الكبير محمود درويش: «كم كذبنا حين قلنا نحن استثناء! أن تصدق نفسك أسوأ من أن نكون ودودين مع من يكرهوننا، وقساة مع من يحبوننا، تلك هي دونية المتعالى، وغطرسة الوضيع».. ويقول أيضا: «فارس يغمد في صدر أخيه خنجرا باسم الوطن ويصلى لينال المغفرة».. ويعرف الوطن: «ماهو الوطن؟ ليس سؤالا تجيب عنه وتمضى، إنه حياتك وقضيتك معا»، هكذا يرى شاعرنا الثائر الوطن ويرى المزايدين عليه، كيف يطعن الوضيع وطنه بالتودد لمن يكره له الاستقرار وما أكثر تلك النماذج التي أتاحت لنا الأحداث والظروف أن نكتشف هويتهم البغيضة، يتآمرون على بلدهم تحت شعار الديمقراطية ويشيعون الفوضى ويشوهون سمعة الوطن تحت شعار الإصلاح وحرية الرأى، ويدوسون على شرف الانتماء تحت عنوان التغيير، ربما حاولت أن تزرع قيم الوطن داخل كل مواطن، وتأصيل قيمة الانتماء بيد ممدوة لرفعة شأنه وأخرى لمناصرة الضعفاء والفقراء فيه، لكنك واجهت ولاتزال مسوخ تتصدى لحلمك وتعوق قطار إنجازاتك، تحاول النيل منك بالتشكيك في نواياك وفى حقيقة شعورك بالغلابة والمحتاجين، يحملونك أوزار عقود من الفساد والاستغلال، يتباهون بأنهم «روبن هود» الفقراء فأصبحوا يمتلكون صوتا عاليا يتحدث باسم الغلابة ويتبنى همومهم وأوجاعهم، وأصبح كل طالب شهرة متحدثا رسميا باسم الفقراء والمحتاجين يدافع عن حقوقهم ويتقمص مشاكلهم ويتبنى قضاياهم ويعيش همومهم، كأنهم ولدوا فجأة من رحم الحكم! حتى بلغ بهم الزيف مبتغاه فانقلب ضدهم وكشف عوراتهم.
صحيح أن معظم المشاريع لن نحصد ثمارها في المنظور القريب ويعتبرها كثيرون عبثية وإهدار للمال العام، وصحيح أنها تتجاوز حدود المنطق في ظروف اقتصادية شديدة القسوة، انهارت معها الطبقة المتوسطة التي تمثل رمانة الميزان في المجتمع، لكنها رغم ذلك تشكل مرحلة عبور ثانية حتى لو كنا في حالة إنكار أو استنكار، وفى المقابل لا يعنى ذلك أن الحياة وردية ونحن جاحدون للنعم، هناك الكثير من الفساد والسلبيات والبيروقراطية، لم يتغير شيء رغم حرصك وتركيزك على اجتثاث فساد ضرب عصب الدولة، ورغم حزمك في معاقبة كل مخطئ ورغم ضعفك أمام إنسانيتك وترك نفسك للبكاء الذي جلب إليك المزيد من الانتقادات، فأنت دائما مطالب بالمزيد، فكلما بدوت متعاطفا اتهمت بالضعف وقلة الحيلة وتعالت أصوات المشككين في قدرتك على القيادة والإدراة.
سيادة الرئيس ونحن على أعتاب عام جديد أنت مطالب بأن تقضى على حالة جدلية عاصفة بين الناس وتغلق منابع التشكيك، مطالب بالإجابة عن تساؤلات حائرة متداولة حول اختفاء السلع الأساسية فجأة واستمرار ارتفاع الأسعار دون رقابة، مطالب بوقف نزيف الدولار وسيطرته على سوق المال والأسعار، مطالب بالحزم في مواجهة جشع التجار وسيطرتهم على مداد حياة المواطن، أفهم أن يكون ذلك مقرونا بقوانين الاقتصاد الحر في دولة اقتصادها مستقر، لكن أن يطبق الاقتصاد الحر في بلد اقتصادها منهار ومستوى معيشة متدنية لا تتناسب مع الغلاء وارتفاع الأسعار المتواصل، فتلك مصيبة لا يستوعبها عقل! نحن مقبلون على انتحار جماعى بسبب الفجوة الكبيرة بين الدخل والإنفاق، وفى ظل وجود حكومة محاطة بالأزمات تعانى من فقر الإبداع، متخبطة في القرارات عاجزة عن إيجاد الحلول أو الحد من الانهيارات الاقتصادية المتتالية أو السيطرة على الأسواق أو وقف الاحتكار وجشع التجار وهو أضعف الإيمان لأى حكومة يكتب لها النجاح، وكما عاهدت الله والمواطن على الوقوف في وجه الإرهاب والمآمرات التي تريد إسقاط الدولة، ننتظر بشغف تغيير شامل في منظومة التعليم الفاشل، والصحة التي تعجل بقتل الناس لا علاجهم فالمواطن في بلادنا ثمنه بخس، ومنظومة الإدارة القائمة على البيروقراطية المقيتة والرشاوى والسرقة والفساد كى تنجز المصالح، والحالة المرورية المزرية التي استنزفت طاقتنا الإيجابية وحولت حياتنا إلى جحيم يومى متخم بالطاقة السلبية التي انعكست على سلوكنا وأخلاقنا ومزاجنا العام، ننتظر منك الوقوف بحزم في وجه كل من يريدون إسقاطها بالقرارات المتناقضة المتخبطة القائمة على الفهلوة والجهل وقلة الخبرة وانعدام البصيرة، حتى لا ننسى قبل فوات الأوان أن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة.
عن المصري اليوم