يمكن للرئيس محمود عباس أن يرتاح الآن في اليوم الأخير من سنة 2016، فقد استطاع بدبلوماسيته الصبورة والدؤوبة والحثيثة، أن يسجّل العديد من الانجازات الخارجية والداخلية، الوطنية والإقليمية والدولية أيضاً، وهو بهذا يستحق جوائز عديدة لهذا العام، ودبلوماسية الرئيس أبو مازن دبلوماسية غير ذات ضجيج وربما غير ذات بريق ولكنها فعالة، ليست شعبوية إلى حدٍ كبير ولكنها ناجعة، ليست شعاراتية ولكنها تصل إلى الأهداف، وليست حماسية ولكنها قادرة على أن تنجز، وربما كان ذلك يعكس طبيعة السيد الرئيس في القيادة والإدارة، أقصد مزايا الدأب والصبر وقلة الشعارات والتصميم والقدرة على إنضاج الظروف من أجل قطف الثمر، وربما كان السيد الرئيس لا يحب الأضواء، وربما لا يحب التصفيق أيضاً، ولكنه يحب أن يقوم بالعمل الذي يؤمن به، والسيد الرئيس يعرف أنه يعمل في أضيق الظروف وأشد الهوامش زحاماً واضطراباً، يعرف أن هناك كثيرين، في منطقتنا والعالم يريدون غسل أياديهم من قضيتنا وتبعاتها واستحقاقاتها، وأن كثيرين أيضاً يرغبون ويطلبون أن يخضع الفلسطينيون للإملاءات الجديدة والشروط الدولية، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يراد له أن يكون صراعاً محلياً أو حتى شأناً داخلياً إسرائيلياً، ورغم كل ذلك، استطاع الرئيس محمود عباس، ومن خلال رحلاته المكوكية ودبلوماسيته الهادئة وصلابة مواقفه وردات فعله غير المتوقعة، أن يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وأن يضعها على أجندات العالم كله، وأن نتحول نحن، الشعب الفلسطيني الضعيف الذي لا يملك الأسلحة غير التقليدية ولا يملك ثروات النفط والمعادن، أن يتحول إلى قضية عالمية تشغل شعوب العالم وحكوماته ودوله الكبيرة والصغيرة، لأنها أولاً وأخيراً، قضية ضمير وعدل وحق، ولأن من يمثلها ويعمل من أجلها لم يكل ولم يمل ولم يتراجع ولم يتوان لحظة واحدة في تذكير العالم بأن هذا الصراع هو أساس الصراع في الإقليم كله.
الرئيس محمود عباس الذي انتزع من العالم العديد من القرارات الدولية الهامة والأساسية، والذي استطاع أن يحمي حركة فتح من التفكك أو الانهيار أو الذهاب إلى المجهول، باستطاعته أن يتنفس الصعداء قليلاً، ومن حقه أن يأخذ جوائز المجد والتقدير والتمثيل من الشعب، وبهذه المناسبة، فإن الرئيس عباس الذي خرج قوياً ومنتصراً من معاركه كلها، فإنه الآن أقدر على أن يبدأ سلسلة عمليات وطنية مطلوبة وهو يشعر بكامل الثقة والقدرة، فالاستعداد لعقد المجلس الوطني الفلسطيني هو خطوة أساسية لاكتمال انتصارات الرئيس المنتصر، ويستطيع الرئيس أن يفعل ذلك بالتشارك والتشاور والتنسيق بين كل القوى الفلسطينية من موقع الاقتدار وعلى قاعدة الندية والتكافؤ، حيث لا يوجد أمامنا وقت كبير لانعقاد المجلس الوطني، الذي يجدد الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويؤسس لمرحلة انتقالية جديدة، فليكن انعقاد المجلس الوطني عرساً وطنياً توحيدياً، يُعزز الشراكة الوطنية في صناعة القرار، ويُطمّن الشعب الفلسطيني على مستقبله، ويُغلق كل النوافذ، التي يمكن أن تأتي منها الروائح غير المرغوبة.
ويستطيع الرئيس عباس الآن أن يتقدم لكل الأطراف العربية، ليعيد ما انقطع أو توتر أو جف أو تراجع من علاقات بسبب هذا الاجتهاد أو ذلك، أو بسبب هذا الموقف أو ذاك، ويستطيع أيضاً أن يتقدم إلى أية مفاوضات مع إسرائيل من موقع دولي صلب يمكن الاعتماد عليه، إذ أن أية مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي ومهما كان شكلها أو طبيعتها، فإن العالم سيكون ثالث ثلاثة، ولن يسمح لإسرائيل أن تستحوذ أو تفرض أية حلول لا يرضاها رئيس منتصر وقادر ومسلح برؤية دولية تتكامل وخاصة أننا على أعتاب مؤتمر باريس الذي سيحول الرؤية الدولية لحل الصراع إلى ما لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه أو تجاهله.