أخيرا تجرأت إدارة أوباما ممثلة بوزير خارجيته كيري وقذفت حكومة نتنياهو بالحقائق المرة.
وبعد تأخير دام ثماني سنوات وفي ساعاتها الأخيرة قالت الإدارة الأميركية ما صمتت عنه، رغم أننا قلناه مرارا وتكرارا، بأن الاحتلال والاستيطان يقتل إمكانية قيام دولة فلسطينية ويدمر فرص السلام، وبأنه لا بديل لحل الدولتين الا الدولة الواحدة، وبأن في إسرائيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخها وأن عناصرها الأكثر تطرفا توجه مسارها، مستقبل المنطقة في خطر داهم بسبب سياستها.
وأن من يختلف مع اسرائيل يوصف بأنه معادي لإسرائيل وللسامية. وأن السلام مع العرب مستحيل بدون تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، وأن جوهر المشكلة هو الاحتلال الذي تحول الى منظومة فصل لمعازل ، وأن الاستيطان يلتهم أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وباختصار فإن كيري حذر إسرائيل من أنها أنشأت وتكرس منظومة "أبارتهايد" دون أن يتجرأ على لفظ الكلمة التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر منذ سنوات.
قال كيري أن عدد المستوطنين زاد في عهد أوباما بمائة الف مستوطنة. ولكنه لم يقل أن تقاعس إدارته عن مواجهة إسرائيل وعن إجبارها على وقف الاستيطان هو السبب.
ولم يذكر كيف تخاذل أوباما أمام ضغط نتنياهو وتراجع عما وعد به خلال خطابه في القاهرة في عامه الأول بالعمل على وقف الاستيطان.
والواقع أن إدارة أوباما، بكلمات كيري، شجعت إسرائيل على الإمعان في عنجهيتها، اذ كانت الإدارة الأكثر دعما لإسرائيل في تاريخها، وفي عهدها صارت الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل أكثر من نصف مساعداتها العسكرية للعالم بأسره، وتمنحها أفضل أسلحتها، وتعارض كل من ينتقدها، وتحارب حركة المقاطعة ضدها. وقد أقرت منحها مساعدة عسكرية غير مسبوقة بقيمة 38 مليار دولار. غير أن كل ذلك لم يحمي كيري من وقاحة نتنياهو الذي خرج يصفه بالمهووس ، وبالمزيف.
كما لم ينقذ الإنحياز لإسرائيل أوباما من الاحراج المذل الذي سببه له نتنياهو في عقر داره في الكونغرس الأميركي.
غير أن أهم ما ورد في خطاب كيري هي المعايير التي اقترحها للتسوية والتي لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبلها.
إذ لا يمكن أولا أن نقبل وصف نضالنا العادل والمشروع بالإرهاب والتحريض.
ولا يمكن أن نقبل معارضة كيري لحقنا في المقاومة الشعبية ومن ضمنها حركة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الإستثمارات من إسرائيل.
ولا يمكن القبول بفكرة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لأنها تعني نسف حقوق مليوني فلسطيني ممن نجحوا في البقاء في أراضي 1948 ، ونسف حق العودة.
ولا يمكن لأحد قبول استبدال حق عودة اللاجئين بالتعويض المالي والتوطين في بلاد غريبة عن وطننا. واذا كان كيري يريد العودة الى قرار 181 فعليه أن يتذكر أن الدولة الفلسطينية حسب ذلك القرار تشمل يافا والجليل والمثلث وأجزاء من النقب.
ولا يمكن إستبدال فكرة إنهاء الإحتلال عن كامل الأراضي المحتلة عام 1967 بتعديلات في الحدود بهدف منح الشرعية للكتل الاستيطانية التي أكد المجتمع الدولي عدم شرعيتها.
ولا يمكن إستبدال حقنا المعترف به في القدس العربية المحتلة كعاصمة لدولة فلسطين بصيغة عائمة وغامضة مثل ( عاصمة لدولتين) مما قد يعطي المجال لإسرائيل لطرح إستبدال القدس كعاصمة بأحد الأحياء في محيطها كالعيزرية أو ابوديس.
وحرية العبادة لا تتعارض مع حقنا في السيادة الكاملة على قلب القدس، البلدة القديمة، والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
أما الأمن فلا يجوز طرحه باعتباره حاجة إسرائيلية فقط وتجاهل حق الفلسطينيين فيه. فنحن لا نملك جيشا كالجيش الإسرائيلي ولا نملك أربعمائة رأس نووي ولا طائرات ف -35 ولا غواصات نووية. ومن يحتاج الى الحماية هو الشعب الفلسطيني قبل غيره.
لقد قدم كيري، متأخرا، كثيرا من التحليل والمقدمات الصحيحة ويسجل له ذلك، لكن إستنتاجاته ومعاييره التي طرحها كانت خاطئة وضارة.
فلسطين ليست بحاجة إلى معايير جديدة. تكفيها القرارات الدولية والقانون الدولي وقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي وما يجمع عليه العالم بضرورة إنهاء الاحتلال الذي سيصل عمره إلى خمسين عاما، وتصحيح آثار النكبة التي اقترب عمرها من سبعين عاما.
لقد اصطدمت إسرائيل وسياستها الاستيطانية بشكل عنيف بالمجتمع الدولي خلال الأيام الماضية. تجلى ذلك في مجلس الأمن ، وفي عربدة وتشنج نتنياهو ضد عشرات من دول العالم. والفضل في ذلك يعود إلى نضال الشعب الفلسطيني ولصموده ومقاومته.
الفضل يعود للمقاومة الشعبية والمقاومة السياسية والدبلوماسية ولحركة المقاطعة وفرض العقوبات BDS الصاعدة في كل بلدان العالم.
اليوم تتصاعد عزلة إسرائيل، ويستمر التغيير في ميزان القوى لصالحنا، وتترسخ قضية فلسطين باعتبارها كما قال نيلسون مانديلا " القضية الأخلاقية الأعظم في عصرنا ".
وكل عام وأنتم وفلسطين بخير.