ذكرى الاعتقال الأصعب .. وأفخر

thumbgen (5)
حجم الخط
 

في مثل هذا اليوم من العام 1991 كنت على موعد مع منعطف حاد من منعطفات حياتي ، كانت بداية مرحلة جديدة من الاعتقال على يد عصابات الجيش الصهيوني الذي لم يكن مفاجئا لأن كل من اختار طريق رفض الاستسلام لواقع الاحتلال كان المصير الذي يتوقعه إما الشهادة أو السجن أو المطاردة أو الإبعاد ،، وكان نصيبي منها هو السجن الذي بدأ في مثل هذا اليوم وانتهى بفضل الله في العام 1994 بعد قدوم وقيام السلطة الفلسطينية .

كانت التهمة هي قيادة حركة حماس في قطاع غزة والضفة الغربية وتأسيس كتائب عز الدين القسام ، هذه الاتهامات التي كانت تعني القضاء في السجن سنوات طويلة ، في مثل هذا اليوم كانت البداية لمشوار طويل من مراحل الاعتقال ، بدأت مرحلة التحقيقات واستمرت 134 يوما تنقلت خلالها في مراكز التحقيق من اعتقال أنصار في غزة الى سجن غزة المركزي الى سجن المجدل الى سجن في شمال جنين ، ثم الاستقرار في سجن غزة المركزي ،، ثم الترحيل الى سجن كفاريونا وأخيرا سجن نفحة الصحراوي .. كانت تجربة قاسية ولكنها ضرورية صنعت وصقلت كل من خاض غمارها ، كان معي خيرة قيادات حركة حماس في قطاع غزة والضفة الغربية ،، عشنا سوية أصعب اللحظات وتجاوزناها ،، وكانت حياة المعتقل مليئة بالتجارب في علاقاتنا مع الفصائل جميعا ،، كانت تجربة غنية وفريدة .

نتذكر اليوم ذلك التاريخ لنؤكد أننا لن ننسى تلك التجارب ونؤكد أننا لن نغفر لهذا العدو كل الظلم الذي تعرضنا له ،، ونستذكر تاريخا سطرناه بدمائنا وآلامنا كان يحدونا الأمل والإصرار أننا سنحقق يوما ذلك الانتصار الذي عملنا من أجله ،، ونهزم عدونا مهما امتلك من قوة لا نملكها ،، كانت بوصلتنا واضحة ومحددة نحو هدف رسمناه بالدم حتى لا تنساه الأجيال ..

لم يكن حلمنا يوما له حدود ، ولم نقبل بأقل من كرامة نحققها لشعبنا ، لم نقاتل من أجل منطقة جغرافية معينة ، بل من أجل فلسطين كل فلسطين ،، كنا نقول للسجان اليهودي بكل ثقة " سيأتي اليوم الذي تكون انت في سجوننا " ،، كنا نهتف لفلسطين ونغني لها داخل الغرف وفي أقبية الزنازين ،،

تمر السنين على تلك الذكريات ولم أتوقع يوما أن أذكرها وأشعر انني يومها كنت أكثر حرية مما أنا اليوم ،، كنت في حينها أشعر بكرامتي وقدسية قضيتي أكثر من شعوري اليوم ،، ولكنها ذكريات على صعوبتها . هي فخر لنا وهي شهادة نعتز بها أننا قدمنا ما نستطيع بقرارنا الذاتي ،، ساهمنا في تأسيس فكر وحراك ظل يتنامى حتى أصبح قوة يحسب لها الجميع ألف حساب ، ولكنها كانت وستبقى موجهة فقط ضد الاحتلال باعتباره العدو المركزي لشعبنا .

رحم الله شهداء شعبنا ، وستبقى الذكرى محفورة في أعماقنا ..