حسب تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان سيتضاعف عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بحلول العام 2050، وسيزيد من 4.7 مليون نسمة، إلى 9.5 مليون نسمة. (سيزيد عدد سكان قطاع غزة من مليوني نسمة حاليا إلى 4.2 مليون، والضفة الغربية من 2.9 مليون حاليا إلى 4.7 مليون). وهذه الزيادة المتوقعة في السكان ستضيف مزيدا من الأعباء والتحديات في إيجاد فرص عمل للشباب، وتوفير للخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية.. وإذا بقي الاحتلال جاثما على الأرض، ومهيمنا على الاقتصاد الفلسطيني، ويضيّق الخناق على السلطة الوطنية، فإن الأوضاع ستزداد صعوبة، وستصل حد الانفجار..
في قطاع غزة سيتضاعف عدد السكان بعد ثلاثة عقود. ومع هذه الزيادة السكانية الهائلة في مساحة محصورة، من الصعب للغاية تصور إمكانية تهيئة الظروف الملائمة للنمو الاقتصادي الذي يمكنه أن يلبي احتياجات السكان الحيوية والملحة؛ سيما مع تفاقم مشاكل الكهرباء وندرة مصادر المياه وتلوثها، وتقلص المساحات الصالحة للزراعة والسكن، وبسبب الحصار والحروب وتدمير البنية التحتية..
في هذا القطاع الذي يشهد أعلى كثافة سكانية في العالم، وُلد ونشأ جيل كامل في ظل الحصار والحروب، والأغلبية الساحقة منه لم يغادروا قطاع غزة قط، وهذا الأمر وبسبب تفاقم الفقر والبطالة وانسداد الأفق وغياب فرص التنمية والتطور.. سيضغط على الشباب أكثر فأكثر، إلى حد الاختناق؛ فإذا كنا حاليا نشهد حالات انتحار وهروب ولجوء للبحار؛ فإننا في المستقبل القريب، سنكون أمام قنابل بشرية يائسة، صنعناها بخطابات «النصر» و»الصمود»، والوعود الكاذبة..
على المستوى العربي، وحسب تقرير التنمية البشري الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2016-11-29)، يبلغ تعداد الوطن العربي حاليا حوالي 350 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من 600 مليون عام 2050، المهم في التقرير أن نسبة الشباب العربي (15-29 سنة) تبلغ حوالي 28% من السكان، بواقع 105 ملايين شاب وشابة، ومثلهم تقريبا بعمر أقل من 15 سنة.. نسبة البطالة عند هذه الفئة تبلغ 30%، وهي ضعف المعدل العالمي، والتحدي الأكبر الذي سيواجهه العرب في العام 2020 تأمين نحو 60 مليون فرصة عمل.. أي بعد ثلاث سنوات فقط.. وبالقياس على الوضع الحالي الاقتصادي، فإن تحقيق ذلك يبدو في غاية الصعوبة؛ خاصة وأن نسبة مشاركة الشباب في قوة العمل تبلغ 24% وهي نسبة منخفضة، مقارنة بِـ 50% متوسط نسبة مشاركة الشباب عالميا.. كما أن فقرهم وتهميشهم في ازدياد، وإذا علمنا أنه في آخر ثلاثة عقود بلغت نسبة الإنفاق العسكري للفرد في الدول العربية أكثر بِـ 65% من مستوى الإنفاق العالمي.. فإن هذا يعطينا مؤشراً على التوجهات الخاطئة في السياسات العربية.. وما سيزيد الوضع صعوبة أن النفط سيفقد صدارته في سوق الطاقة بدءاً من عام 2020 وفقا لتقارير متخصصة.
وحسب التقرير يشكّل العرب 5% من سكان العالم، إلا أنهم مسؤولون عن 45% من العمليات الإرهابية، ويمثلون 68% من قتلى الحروب في العالم، و 58% من لاجئيه. كما أن 47% من المهجرين داخل أوطانهم هم عرب. وحسب تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عدد الأشخاص الذين شردتهم الصراعات قد تجاوز 65 مليون شخص، بزيادة 5 ملايين شخص كل عام، ومعظم هؤلاء اللاجئين من سورية والعراق والصومال وأفغانستان.
ولنا أن نتخيل ملايين الشباب الذين شوهتهم الحروب والصراعات؛ سواء أولئك الذين انخرطوا فيها، وتورطوا في الأعمال القتالية، واعتادوا على مناظر الدم والقتل والخراب، حتى قست قلوبهم وتحجرت عواطفهم.. أم أولئك الذين أفقدتهم الحرب أمنهم ومنازلهم وأهاليهم، وشردتهم في أصقاع الأرض، بلا أمل، وبلا مستقبل.. فضلا عن ملايين الأطفال الذين تسربوا من المدارس، بسبب نزوح أهاليهم تحت وطأة الحروب، وملايين الأطفال المشردين، الذين لا يتلقون رعاية أسرية، ولا يعيشون ظروفا ملائمة لحياة البشر، كيف ستكون نظرتهم للحياة، وللعالم، خاصة وأن عصابات الاتجار بالبشر والجماعات الإرهابية تقف لهم بالمرصاد.. تجندهم في حروبها ومشاريعها الإجرامية..
وحتى الشباب الذين يعيشون ظروفاً أفضل (نسبياً)، أي أولئك الذين لا تشهد بلادهم حروباً أهلية، فإن حالهم ليس أفضل بكثير، كمؤشر على حالة الإحباط التي يعيشونها؛ فقد بيَّن التقرير بأن معدل مشاركتهم في العمل التطوعي 9% فقط، وهي الأقل في العالم.
ما يفاقم من خطورة الوضع، أن هذه المعطيات تأتي في ظل حالة انسداد للأفق السياسي، وفي ظل أزمات اقتصادية خانقة، وفقر وبطالة وغلاء أسعار.. ومع اندلاع أربع حروب عربية عربية.. والأخطر من ذلك، أعمال العنف والرد عليه، وتفشي روح العدائية والكراهية والتعصب، وشيوع الفكر الطائفي والمذهبي.. أي أن المسرح معد تماما بكامل تجهيزاته بكل أدوات القتل والتدمير الذاتي والانتحارات الجماعية..
ومثل هذه المعطيات الخطيرة وغيرها، إنما تشير إلى أن الشباب العربي هم بمثابة قنابل موقوتة.. ستنفجر في وجوهنا مستقبلا، ما لم نتدارك ذلك.. وقبل فوات الأوان..
ما لم تنته الحرب في سورية والعراق، ويستتب فيهما الأمن، وتتحقق العدالة، وما لم تتهيأ الظروف لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية.. وإذا لم يتنبه صناّع القرار والنخب المثقفة لأهمية وخطورة هذه الأرقام والدلالات.. فإن المستقبل مخيف.. وستغدو البلدان العربية مكانا غير صالح للعيش.. ومع ذلك دعونا لا نفقد الأمل..
فارس: وحدة الأسرى خلقت معطيات جديدة أمام حكومة نتنياهو
14 سبتمبر 2023