في خطابه الأخير، حول القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري على نحوٍ وكأنه جازم وقاطع أن السياسات التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه هذه القضية ترجَّحُ إحتمال أن «حل الدولتين» قد ينتهي إن هو لم ينته فعلا وبالطبع فإن البديل سيكون، إن صحت هذه التكهنات والتقديرات، هو :»حل الدولة الواحدة» أي دولة إسرائيل من البحر إلى النهر وعلى كل أرض فلسطين التاريخية بإستثناء قطاع غزة، عش الدبابير... الذي فكك الإسرائيليون مستوطناتهم فيه وغادروه هروباً لا يلوون على شيء .
والمؤكد أن تكهنات وتقديرات وزير الخارجية الأميركي «الراحل» لم تراود بنيامين نتنياهو، الذي يخضع الآن لتحقيقات بتهم الفساد، بل راودت معظم القادة الإسرائيليين السابقين واللاحقين، ربما بإستثناء إسحق رابين، وأولهم ديفيد بن غوريون الذي كان يعتبر أن الحدود الإسرائيلية الآمنة تقتضي إحتلال الضفة الغربية كلها حتى نهر الأردن وهذا هو ما حصل، كما هو معروف، في عام 1967 وحيث تذرعت إسرائيل كذباً أنَّ ما قامت به هو دفاعٌ عن النفس ضد العرب، مصر والأردن وسورية ، وهو ضد ثورة الكفاح المسلح التي كانت حركة «فتح» الفلسطينية قد بدأتها بعملية عيلبون الشهيرة في الفاتح من عام 1965.
إن ما لم يتطرق إليه ويتوقف عنده جون كيري، ربما قصداً، هو: ما الذي سيترتب يا ترى على «شطب» حلَّ الدولتين؟! ومع الأخذ بعين الإعتبار أن الواضح أن ما يفكر فيه نتنياهو، الذي اقترب سيف قطع دابر الفساد من عنقه، ومن سيخلفه أن البديل هو «الضم» أي ضم الضفة الغربية بكل ما فيها إلى إسرائيل مما يعني أنَّ عدد الفلسطينيين العرب في هذه الدولة التي ستقوم ما بين البحر، البحر الأبيض المتوسط، والنهر، أي نهر الأردن، سيقترب من عدد الإسرائيليين وهذا إنْ هو لن يتجاوزه مما سيجعل الدولة المشتركة الجديدة دولة ثنائية القومية وبكل ما يترتب على قيام مثل هذه الدولة .
وهنا فإن ما يجب أن يفهه ويدركه بنيامين نتنياهو وكل من هُمْ على شاكلته من المصابين بعدم وضوح الرؤيا المستقبلية أنه في ضوء عدم قدرة أي حكومة إسرائيلية ومهما كانت متطرفة وصهيونية على إلقاء الفلسطينيين وراء نهر الأردن نحو الشرق ووراء بحيرة طبريا في إتجاه هضبة الجولان فإن اليهود مع الوقت سيتحولون إلى أقلية مهيضة الجناح وحتى وإن تم تسليح كل واحد منهم بصاروخ عابر للقارات وبقنبلة هيدروجينية أو نووية!!.
لقد كان الخطأ الفادح، الذي إرتكبه العرب في عام 1948 تحت وطأة ضغط موازين القوى الدولية في تلك الفترة المتقدمة التي لم يكن القرار فيها بالنسبة لهذا الأمر والأمور الكبرى الأخرى قراراً عربياًّ وللدول «الوطنية» حديثة التكوين، هو القبول بعملية تفريغ فلسطين من معظم سكانها وهذا ما لنْ سيحصل الآن بالتأكيد بعدما قطع القرن الحادي والعشرين نحو عقدين من عمره.. ولذلك فإنه على الإسرائيليين المصابين بعمى التطرف الصهيوني وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو أن يدركوا، قبل فوات الأوان، أن حلَّ الدولتين يشكل إنقاذاً لهم أكثر كثيراً من إنقاذه للشعب الفلسطيني ولذلك فإنه عليهم أن يتحلوا بالواقعية المطلوبة وأن لا يضعوا مستقبلهم في أيدي المتطرفين الذين لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم!!.
عن الرأي الأردنية