ترتكز مشاركة الشباب في صياغة السياسات العامة على جدلية العلاقة بين دور الدولة وكافة مكوناتها ومنظومتها التشريعية والقانونية وبرامجها وآليات صنع القرار لديها، ومدى تطور شريحة الشباب كشريحة فاعلة وأساسية في المجتمع وذات هوية واضحة ومحددة وذات وعي شامل لدورها وطبيعة مجتمعها وقضيته الوطنية التي تتسم بالتعقيد لعوامل ليس مجال بحثها في هذا المقال.
وتجدر الإشارة هنا إلى تداخل السياسي بالاجتماعي بالاقتصادي بالواقع الإقليمي والدولي الذي يحيط ويوثر بالقضية الوطنية خاصة وأن مرحلة التحرر الوطني في المجتمع الفلسطيني لا تزال قائمة وبالتوازي مع عملية البناء الوطني والتنموي والديمقراطي لأسس الدولة الفلسطينية المنشودة.
وعليه فإن واقع الشباب في المجتمع الفلسطيني يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالرؤية العامة التي تتجسد في الرؤى والبرامج التي يتبناها صانع القرار، آخذين بعين الاعتبار أن مصطلح الشباب يشمل كلا الجنسين الرجل والمرأة، وإن كان هناك تعقيدات وتحديات إضافية تكتنف وضع المرأة الفلسطينية الشابة.
"الدولة وشريحة الشباب"
تعتبر الدولة الحديثة صاحبة التأثير الكبير والجوهري على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويتبلور دورها بدقة عبر منظومة شاملة من القرارات والتشريعات والبرامج والخطط والتدخلات المباشرة وغير المباشرة في مختلف جوانب الحياة العامة، ولعلنا في هذا المجال نميل إلى مفهوم الدولة المدنية التي تحكمها دساتير وقوانين وأنظمة تضمن الحريات الفردية، كما حريات كافة مكونات المجتمع، وهي الدولة التي يشكل دستورها المظلة الأوسع للناس وتمارس تحت كنفها كافة الحريات والفكر بحيث لا تفرض أو تهيمن فئة على أخرى ولا يتغول فيها أحد على الآخر، وهي دولة قانون ومؤسسات يتم فيها تطوير السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية وصولاً إلى نظام من الفصل والتوازن ويلعب القانون فيها الدور السائد على الجميع بغض النظر عن مكانتهم وأصولهم ونفوذهم ومناصبهم وإمكانياتهم مؤكدين في الوقت ذاته أن الإشارة للدولة المدنية يستوجب إقرانها بالدولة الديمقراطية أيضاً والتي تعني سيادة القانون واحترام الحريات وتداول السلطة والاحتفاء بالتعددية الفكرية والجندرية وبتوفير كافة المساحات للمشاركة الفاعلة لمختلف قطاعات المجتمع وشرائحه.
إن ما ورد في هذا المجال من الإشارة إلى مفهوم الدولة النموذج يشكل القاعدة والركيزة الأساسية لقياس مدى توفر البيئة اللازمة للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة من قبل كافة قطاعات المجتمع وشرائحه وخاصة الشباب.
الدولة والسياسات العامة
وشهدت السياسات العامة تطوراً في العقدين الأخيرين سواء من حيث تعريفها ومداخل صنعها وطرق تحليلها، وهذا ناجم عن التحول الكبير في وظائف الدولة وتعاظمها لأجل تنظيم وتنسيق شؤون المجتمع وخدمة مصالحه ورعايته، وبرغم كل التعقيدات والتحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الأمنية، فقد تغير مفهوم السياسة العامة بحيث أصبحت أكثر تعبيراً عن مصالح واحتياجات أفراد المجتمع وأكثر تجسيداً لمحصلة التفاعل والتكامل والتمازج القائم بين النشاطات المختلفة لكافة اللاعبين الرسميين وغير الرسمين في المجتمع.
ولأن السياسة العامة تلعب دوراً بالغ الأهمية في تشكيل الحاضر ووضع الأسس الرئيسية للنهوض بالدولة وتنميتها في كافة المجالات والنواحي، وللأسف فإن "السياسة العامة لم تحظى بالاهتمام في المفاهيم والدراسات العربية بالقدر الكافي بسبب طبيعة الأنظمة السياسية وللنقص الكبير في المعلومات حول العملية السياسية وغموض قواعدها بالإضافة للأحادية الحزبية المهيمنة في أغلب البلدان العربية".
ويعتبر موضوع اللاعبين من أهم المواضيع في السياسة العامة لما له من انعكاسات على نوع السياسات وعلاقتها بالفرد والمجتمع ونظام الحكم.
الشباب والسياسات العامة
تعتبر قضية الشباب وإدماجهم في صياغة السياسات العامة من القضايا التي أصبحت تأخذ اهتماماً كبيراً على المستويات الدولية، وتماشياً مع الاتجاه العام "النابع من الحاجة الملحة" لدى الحكومات حول ضرورة إشراك الشباب في صناعة وصياغة السياسات العامة والانخراط في الحياة السياسية من خلال السياسات والبرامج والأنشطة الداعمة للعمل التنموي، حيث أن المجتمع الفلسطيني يتمتع بخاصية استثنائية تتمثل في ارتفاع نسبة الشباب مقارنة بعدد السكان، إذ بلغت نسبة الشباب في فلسطين من سن (15-29) سنة 30% من إجمالي السكان وذلك حسب إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني لسنة 2015، يتوزعون بواقع 37% في الفئة العمرية بين 15-19، و63% في الفئة العمرية بين 20-29 سنة. (مركز الإحصاء الفلسطيني: إحصائيات 2015).
وهذا يؤشر إلى أن ثلث المجتمع الفلسطيني فتي، كما قامت منظمة العمل الدولية SWTS بمسح لنفس الفترة وذلك بهدف رصد أثر السياسات وبرامج تشغيل الشباب بهدف توجيه هذه الإحصائيات ووضعها أمام صنّاع القرار والشركاء الاجتماعيين الذين يهتمون بتنفيذ السياسات والبرامج المتعلقة بالشباب في الأراضي الفلسطينية.
مما يجدر قوله هنا أن كافة المعطيات والدراسات والأبحاث أمام صنّاع القرار بالقدر الكافي لإيلاء المزيد من الاهتمام لهذه الشريحة الحيوية والكبيرة سواء من قبل الحكومة أو المؤسسات الرسمية والأهلية، والذي إذا ما تم فإنه يشكل استثمار ايجابي للطاقة الكامنة في مختلف عمليات الدولة وخاصة التنموية منها، والتي من المفترض قيامها على أساس استراتيجي لإستثمار هذا الدور في التنمية المنشودة.
حيث لا تتحقق أهداف وطموحات الشعب الفلسطيني المتمثلة بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة القائمة على العدل والمساواة والتي تحفظ لشعبها الحرية والتعددية والحياة الكريمة في كنف القانون إلا في إطار الشراكة المجتمعية الشاملة التي تتيح تمثيل حقيقي للشرائح المختلفة في المجتمع وخاصة الشباب الذي يتمتع بقدرات ومهارات وطاقات حيوية وأساسية في عملية البناء الوطني العام.
وأثبتت تجارب الدول المتطورة على مر الأزمنة والعصور أن تحقيق التنمية يرتبط ارتباط وثيقاً بتفعيل قطاع الشباب الذي يمكن أن يساهم بشكل كبير في إحداث التغيير المطلوب من خلال إشراك هذه الشريحة في صناعة السياسات العامة باعتبارها رأس المال الوطني الأبرز والأهم.