على هامش السياسة لا تأكلوا الكنافةَ بالدِّبس!

توفيق أبو شومر
حجم الخط

إنَّ أروع من وصفَ الحكامَ الطغاة هو صاحبُ كتاب، طبائع الاستبداد، ومصارع الفساد، عبد الرحمن الكواكبي المتوفى العام 1902م فقد قال عنهم: إنهم يخافون شعوبَهم عن عِلمٍ، بينما تخافُهُم شعوبُهم عن جهل، لذا يطول حُكمُهم واستبدادُهم، وصفَ الكواكبي الحاكم المستبد، الذي يُتَعوَّذُ به من الشيطان، فقال الحاكمُ المستبدُّ هو:
«الحاكم الفرد، القائد للجند، الوارث للعرش، الحاصل على رُتبةٍ دينية».
انتشر طغيان الحكام والسلاطين في كل أرجاء المعمورة، وقد أشرتُ في مقالٍ سابقٍ إلى الطاغية، كاليغولا، الحاكم الروماني، الذي عيَّن حِصانه عضواً في البرلمان، ما دفع أحدهم إلى لومي، لأنني لم أكتب عن طغاة الحكام العرب، لذا فإنني قررتُ في هذا المقال أن أقُصَّ بعض طرائف الطغاة من الولاة في بلاد العرب في القرن العاشر، وما بعده من قرون.
اخترتُ كتاباً غير مشهور، ألَّفه كاتبٌ لبنانيٌ، من جبل عامل، جمع فيه قصصاً ورواياتٍ عن الولاة الطغاة، والسلاطين القُساة، والحكام  الديكتاتوريين.
اسم الكتاب العهود الإقطاعية في العالم العربي، المؤلف هو، علي الزين العاملي 1902 - 1984م.
هذا الكتاب يحتوي على قصص تؤكِّدُ أمراضَ الطغاة، من الولاة والسلاطين والحكام، فهؤلاء الطغاة يعمدون إلى اغتيال كل عناصر السعادة والفرح في نفوسِ رعيتهم، لأن السعادة والفرح والهناء إذا عمَّت في أوطانهم، فإنها نذيرُ سوءٍ للحكام الطغاة، فالطغاةُ دائما هم أعداءُ الفرح، لأنه يؤدي إلى الثورة على الطغاة، فلا بُدَّ من إشغالِ الرعية بالترح، والبحث عن مواطن الألم ومتابعتها، فينشغلون عن نقد الولاة، فيتجه النقدُ والتجريحُ إلى سوء الحال، والفقر، والفاقة، والعوز، ويزول التفكير في إحداث انقلابٍ على الطاغية.
كما أنَّ الطغاة أيضا يقومون بما هو أبشع من اغتيال الفرح، فهم يفتعلون الشقاق والخصام، بين أبناء رعيتهم، ليصرفوهم أيضا عن التفكير في الإطاحة بهم، لأن الخصام بين أبناء الشعب الواحد، وإثارة النّعرات القبلية والطائفية، تدفع المظلومين المقهورين لطلب النُصرة من الحكام الديكتاتوريين، والولاة الطُغاة، فيتحولون، أي الحكام الطغاة، من قامعين ظالمين ديكتاتوريين، إلى رؤساءِ إصلاحٍ، ووسطاء لإحقاق الحقوق بين أبناء الشعب الواحد، فيصبحون بهذه الخطة أبطالاً، وتنتفي عنهم صفة الديكتاتورية والقمعية!
مما جاء في الكتاب من قصص الولاة الطغاة: 
«في عام 1922 ارتدى وجيهٌ في لبنان لباسا جديدا، وذهب لزيارة الوالي الإقطاعي في جنوب لبنان، لما دخل على الوالي، تجهَّم عطوفة الوالي، بدلا من أن يفرح بلباس الوجيه. لم يكتفِ بالإهانة اللفظية لهذا الزائر، بل مزَّق لباس الزائر أمام المحتشدين!».
فالوالي أراد إذلال الزائر، أمام الحاضرين، لجعله عِبرة لهم، فالسعادة يجب أن تبدأ وتنتهي في قصر الحاكم فقط، وليس عند الرعية، وعلى كل فرد أن يُبلغ الحاكم حين شراء لباسٍ جديد!

والقصة الثانية من الكتاب:
«كانت العادة أن تقطع أشجار المغضوب عليهم من أبناء الشعب، المكروهين من الطغاة، فتقلع الأشجار، وتُصادر الثمار والمحاصيل، وتُنهب الأموال والبيوت، ثم تحرق».
أما القصة الثالثة الواردة في ثنايا الكتاب، فهي قصة طريفة، تُشير إلى صدقِ مقولة الكواكبي، وهي تؤكد أنَّ الطغاةَ هم أَلدُّ أعداء الفرح والسرور والغِنى والثراء، فهو يورد قصة، الكنافة بالدِّبس:
«سمع والٍ عثمانيٌ بأنَّ فلانا جدَّ فلانٍ أكلَ وعائلتَه في أحد الأيام، كنافةً بالدبس، فداهمه الوالي بقسوة، مع جنوده، وقال له مستهزئا به:
إنَّ مَن يأكل كنافةً بالدِّبْسِ جديرٌ بأن يستلم الولاية، هأنا أتنازل لك عنها!!
فخرَّ آكلُ الكنافة بالدبس على قدمي الوالي معتذرا، قائلا: إنه أكلَها لِعِلَّةٍ ومرضٍ، أصاب أهل بيته.
لم يغفر له الوالي فعلتَه (الشنيعة) إلا بعد أن نَفَحَ الوالي ثمانين دينارا، تكفيرا عن الكنافة بالدبس!»!!