على مدى أكثر من اربع سنوات لم ينجح بشار الاسد في قمع التمرد ضده. والطرق الفظة التي استخدمها – السلاح الكيميائي والمذابح ضد المدنيين – لم تعد عليه بالفائدة. وكذلك المساعدة التي حصل عليها من ايران – عن طريق "حزب الله" والحرس الثوري الايراني – لم تصنع له الانتصار. عندها جاء فلادمير بوتين واستخدم الطائرات القتالية والصواريخ بعيدة المدى التي قتلت المدنيين بدون تمييز، وتغيرت قواعد اللعب. وتم ضمان بقاء الأسد حتى الآن على الأقل.
متى دخل بوتين الى الصورة؟ عندما تبين أن الولايات المتحدة لن تملأ الفراغ الذي نشأ في سورية، وعندما رأى أن الأسد يتجاهل "الخط الأحمر" – استخدام السلاح الكيميائي – الذي وضعه اوباما، في ظل استمرار المذبحة في سورية التي تسببت بتراجيديا انسانية كبيرة في ظل صمت العالم والولايات المتحدة التي لم تستخدم القوة لإنهاء هذا الأمر.
كان يجب على الولايات المتحدة أن تعرف أن الطبيعة لا تتحمل الفراغ. دخل بوتين من البوابة المفتوحة التي أبقاها اوباما وعزز مكانته في الشرق الاوسط. وقد أخطأ اوباما تماما في قراءة الوضع، حيث إنه رداً على حملة القصف الروسية حذّر موسكو من الغرق في "الوحل"، واقترح العمل بالتعاون مع روسيا من أجل إحلال السلام في سورية. في هذه النقطة لم يكن بوتين بحاجة اليه. روسيا وايران كانتا مستعدتين لانهاء الامر وضمان حكم الأسد.
في هذه المرحلة قرر رئيس تركيا، طيب رجب اردوغان، أيضا الانضمام إليهما. وهو يراهن الآن على الحصان المنتصر في الشرق الاوسط: روسيا وايران. فقد رأى كيف أن الولايات المتحدة تترك المنطقة وعرف أنها ليست حليفة مخلصة. وقد زاد الاتفاق النووي من قوة ايران وحولها الى طرف فاعل في المنطقة، واستنتج اردوغان أنه اذا لم يكن بالامكان محاربتهما فيجب الانضمام إليهما، نظراً لتحول تركيا الى هدف لإرهاب "داعش"، ويمكن أن يندم اردوغان على هذا القرار.
عندما دخل اوباما البيت الابيض كان له موقف جاهز حول الشرق الاوسط، ولم يسمح للحقائق بأن تشوشه ايضا عندما انفجرت في وجهه. البناء الاسرائيلي وراء خطوط وقف اطلاق النار من العام 1949 – بما في ذلك القدس – يجب أن يتوقف. سيعلم اسرائيل درسا. وسيسحب الجيش الأميركي من العراق ويمد يده لمساعدة الدول الاسلامية مع الاعتراف بأن ايران، التي يسيطر عليها آيات الله، يجب أن تكون القوة الفاعلة في المنطقة.
على خلفية هذه السياسة الأميركية، لم يكن بإمكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، التفاوض مع اسرائيل طالما أنها لم توقف البناء في "المناطق"، بما في ذلك في القدس. إلا أن هذا الامر لم يكن باستطاعة أي حكومة اسرائيلية فرضه. لذلك، توجه عباس الى الامم المتحدة، وعندما رفض اوباما استخدام الفيتو ضد القرار المعادي لاسرائيل في مجلس الأم، انتصر عباس انتصارا من شأنه أن يكون عقبة اخرى أمام المفاوضات المباشرة من اجل السلام.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق تحول الى دفيئة لـ "داعش"، وبدأت ايران في السيطرة عليه. الآن – وهي قوية في أعقاب الاتفاق النووي – تستخدم ايران كل ثقلها من أجل تعميق سيطرتها في أرجاء الشرق الاوسط. فهي تسيطر على لبنان وقريبا ستسيطر ايضا على سورية.
لكن الجزء الاكثر صعوبة في إرث اوباما هو أنه يخلف وراءه شرقا اوسط قتل فيه نصف مليون انسان في المعارك في سورية وهرب منه الملايين.
عودة اللاعب الثالث في الشرق الأوسط
27 ديسمبر 2024