أزمة كهرباء غزة هي التعبير الحقيقي عن حالنا البائس وفضحتنا وعرتنا امام أنفسنا، ووضحت مدى تغول السلطات في الناس وإرهابهم وتحييدهم عن أي فعل جماهيري شعبي ووطني. غابت الفصائل واللجان والحركات الشعبية والإجتماعية عن الفعل الجماهيري والمقاومة الشعبية ضد الإحتلال، والحراك الجماهيري والتظاهر في الشوارع والميادين للمطالبة بالعدالة الإجتماعية وضد الظلم والقهر والتهميش والتضامن مع الذات، والتنكر لأبسط الحقوق والعيش الكريم والنضال المشترك، فغابت الحقوق والكرامة وروح الشعب، وغابت الجماهير التي لم تتعود على النضال السلمي، والتي تنقصها الخبرة في مواجهة القمع والظلم وبقي حراكها افتراضياً.
وأصبح أي إحتجاج أو حراك جماهيري فريسة سهلة للإنقضاض عليه وقمعه وتوجيه الإتهام له من السلطات الحاكمة سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بأنه غير وطني وله أجندات خارجية على طريقة الأنظمة الإستبدادية، والإدعاء أن الهدف هو الفوضى والتخريب.
لم تدرك الفصائل الوطنية والإسلامية خطورة تغييب الجماهير عن المشاركة الجماهيرية وإقتصرت تظاهراتها على تظاهرات فصائلية تضامنية مع الأسرى بوقفات خطابية شعاراتية أمام الصليب الأحمر من دون إي تضامن جماهيري شعبي حتى في قضايا الإضراب الفردي لعدد من الأسرى، ولم يتعود الناس على المشاركة والإنصهار في تظاهرات وطنية عامة تُغيب فيها الفصائلية والحزبية.
غابت التظاهرات الوطنية بفعل فاعل ولم تدرك الفصائل أهميتها وأيضاً خطورة إنعدام الثقة بينها وبين الجماهير من جهة وبين الجماهير والفصائل من جهة أخرى حيث وضعها الناس في كفة السلطات الحاكمة وأنها متواطئة، ومدى أهمية التظاهرات يبرز بشكل عام من خلال حث الناس على المطالبات الحقوقية والخدماتية والعدالة الإجتماعية، والأهمية تبرز من خلال بعث روح التواصل وتعميق قيم النضال المشترك سواء ضد الإحتلال أو السلطات الحاكمة التي يجب أن تدرك أنها تفقد يوما بعد الأخر الحاضنة الشعبية، وقيمة مهمة من قيم العمل الوطني الفلسطيني وهي قيمة التضامن مع الذات، وبث روح التواصل والنضال المشترك ضد الظلم أي كان مصدره.
حتى التظاهر والتضامن مع قضايانا الوطنية كالأسرى والقدس والإستيطان وما يجري في فلسطين التاريخية من ملاحقات سياسية وعنصرية ضدهم وإحياء الأيام الوطنية تم نسيانها وتغييبها وتحزيبها.
نحن في وقت أصبحنا فيه بأمس الحاجة الى إستعادة روح الشعب الوقّادة والطاقة الكامنة بالناس خاصة الشباب الذين غيبوا وعطلت طاقاتهم وحيدوا عن العمل الوطني المشترك، وفقدوا روح التواصل والتعارف فيما بينهم ولا يقبلون الأخر وأصبح أبناء الوطن الواحد والحارة وإبن العائلة والجيران وزميل مقعد الدراسة في المدرسة والجامعة عدو وخصم.
وما لجوء السلطات الحاكمة لقمع أي حراك حقوقي مطلبي وخدماتي ما هو إلا تعبير عن أن أزمة هذه السلطات القمعية ولا تؤمن بحق الجماهير في التظاهر والتجمع السلمي، وتلجأ دائما للقمع لأنها استبدادية تخاف من حراك، كما تلجأ الى تدجين التظاهرات والإحتجاجات بالقمع بطرق مختلفة مرة بطريقة ناعمة بالإحتواء كما يجري بالتظاهرات والإحتجاجات التي يقوم بها الشبان في قطاع غزة ضد أزمة الكهرباء، وتدخل الأجهزة الأمنية أحيانا كثيرة بالقمع والقوة وإستدعاء الشبان واحتجازهم والتحقيق معهم، فهذا دليل خوف وضعف وعدم احترام لحقوق الناس وحفظ كرامتهم.
اتركوا العنان للناس التعبير عن رأيهم وحقهم في التظاهر والتجمع بطريقة سلمية وأعيدوا الإعتبار للوطنية الفلسطينية الجامعة وللتظاهر والمطالبة بالحقوق فهي مطالب وطنية وأخلاقية وشرعية، فنحن شعب تحت الاحتلال ويسعى للحرية وليس للتخريب والفوضى وإلا سيأتي اليوم وتنقض الجماهير على السلطات والتمرد على القمع.