لا ينكر أحد الإنجازات السياسية الفلسطينية على الجبهة الخارجية، وهي إنجازات تحسب للسلطة والقطاع الأهلي، مع أننا نحقق الإنجازات ولا نستكملها، ولا نراكم عليها.
قرار مجلس الأمن الأخير (2334) ضد الاستيطان، بدأت تخبو جذوته شيئاً فشيئاً... وكأن الزوبعة وردود الأفعال من هنا وهناك لم تكن سوى وليدة اللحظة... حتى الإعلام الإسرائيلي بدأ يتحدث عن القرار بلهجة أخرى، على اعتبار أن تأثيراته لن تكون كما توقع الكثيرون.
سبق ذلك بسنوات قرار محكمة لاهاي حول جدار الفصل العنصري... احتفلنا بالانتصار، ثم ماذا؟... أصبح القرار وكأنه ذكرى، أو قابل للاستخدام في المهرجانات السياسية لعدّ الانتصارات التي تم تحقيقها.
حتى المؤسسات الأهلية التي تنجز الكثير خارجياً، نلاحظ في مرحلة ما تقوقعها، وتشغيلها أسطوانة الإنجازات، ومثال ذلك حركة المقاطعة، أو مظاهر التضامن مع الشعب الفلسطيني، ورفض الاحتلال، وحتى هذه الإنجازات تبدو في لحظة ما وكأنها موسمية، رغم أهميته القصوى.
وعلى الرغم من ذلك كله، فلا شك في أن حربنا السياسية والاقتصادية على الجبهة الخارجية تحقق الانتصارات، وإن لم تطرح ثمارها سريعاً.
ولكن، ماذا عن جبهتنا الداخلية، وكيف السبيل إلى تحصينها وإدارة معركتنا الداخلية بقدرة أكبر على قاعدة تحقيق الإنجازات.
الواقع يقول إن حصيلة جبهتنا الداخلية سلبية، فعلى صعيد المواجهة مع الاحتلال نلاحظ ضعف آليات هذه المواجهة... وعلى الرغم من التصريحات والقرارات والبيانات التي لا تُعدّ ولا تُحصى حول خيار المقاومة الشعبية، كخيار إستراتيجي في مواجهة الاحتلال، فإن هذه المقاومة لا تزال في حدودها الدنيا، والتي لا يمكن أن تحقق الإنجازات التي نطمح إليها.
وإذا استثنينا ثلاث أو أربع مناطق تتواصل فيها المقاومة الشعبية ضد الاستيطان والجدار، فإن ما تبقّى حصيلته تقارب الصفر... حتى في مناطق المواجهة لا بدّ أن نكون صادقين مع أنفسنا ونقول إن بعض هذه المسيرات لا يشارك فيها أكثر من 10 ـ 15 مواطناً، لمدة ساعة أو أقلّ مع رفع شعارات، وينتهي كل شيء إلى الأسبوع المقبل.
إذن أين هي المقاومة الشعبية في ظل تكثيف الاحتلال اعتداءاته في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة؟!
حتى القرى الفلسطينية داخل «الخط الأخضر» طالتها الاعتداءات من خلال عشرات قرارات الهدم.
الإجابة تكمن في عدم وجود استراتيجية وطنية واضحة للمقاومة الشعبية، أو لقيادة هذه المقاومة، وتطوير أشكالها، وتعبئتها تعبئة جماهيرية قادرة على الفعل. وليس ردّات الفعل.
في الأسبوع الماضي تحدثنا عن «تسونامي» الهدم الذي تمارسه سلطات الاحتلال في فلسطين التاريخية، وأكدنا ضرورة مواجهة هذه الإجراءات على مستوى الجبهة الداخلية... الهدم تواصل، ومصادرة الأراضي نسمع ونقرأ عنها ونصمت، ومئات الوحدات الاستيطانية يتم إقرار بنائها... دون ردّ جماهيري قادر على الفعل.
أين هي المسيرات الجماهيرية (السلمية) نكرر (السلمية) حتى لا نعطي ذريعة للبعض أننا نريد منه ما لا يقدر عليه؟!
وأين هي التحركات السياسية؟ أين القيادة، أين المعارضة، أين اليمين واليسار؟!! أم هي مسمّيات لمصالح ذاتية فقط؟
أصبح من الواضح أن جبهتنا الداخلية مع الاحتلال عارية تماماً، أما على صعيد العلاقات الداخلية، فالوضع أكثر مرارة، الانقسام سيد الموقف وكل اللقاءات و»تبويس اللحى»، مجرد ذرّ للرماد في العيون. وما يتحدث به القادة هو عكس ما يمارس على أرض الواقع.
انظروا إلى اجتماع الإطار الوطني في بيروت، الأسبوع الماضي... الكلّ يحضن الكلّ، وتبويس اللحى بلا حدود... الابتسامات والضحكات تملأُ المكان... الكلّ متفق، والكلّ يدعو إلى النضال، ويحذّر من مخاطر الاحتلال، وكل شخصية كانت بمثابة «أبو زيد الهلالي»... ولكن ماذا بعد؟!! انتهى الحفل الفلسطيني، وعاد الأصدقاء والإخوة الأعداء كلّ إلى خندق المواجهة الداخلي... وعادت التصريحات التي تؤكد على بقاء الحال على ما هو عليه... وكل إنجازاتنا أننا نتصيّد لبعضنا البعض... في الضفة ينتظرون لحظة «ربيع عربي» في غزة لعلّ الأمور تتغير، وفي غزة مستعدون للمواجهة الداخلية في الضفة، والتمكُّن من السلطة... إذن هذا هو واقع جبهتنا الداخلية العارية تماماً... والتي إذا ما بقيت على هذا الحال... فإنّ كل الإنجازات الخارجية ستبدو أقلّ من قزمة... لأنه لا معنى لها في ظل سياسة الأمر الواقع الاحتلالية، وسياسة الأمر الواقع الفئوية والحزبية في الضفة والقطاع؟؟!