أيــهــم*

رامي مهداوي
حجم الخط

كنت أُتابع خلال الأسبوع الماضي جريمة قتل الطفل أيهم قزمار، والمجتمع عبر عن غضبه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتسابقت أشباه المواقع الإخبارية بحصد الأخبار العاجلة، والقصص الخيالية الصفراء التي تضر أكثر مما تنفع، ما أدى الى إطلاق الشائعات المسيئة التي تنتشر كنار في الهشيم.
وكما قال لي أحد أقارب الضحية "هناك روايات كثيرة يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولكنها ليست دقيقة ولا تتضمن تفاصيل كثيرة، فقط فكروا بعقولكم قبل أن تكتبوا او تحكموا، وأننا على استعداد لاستقبال أي كان ليقف على حقيقة ما جرى بعينيه. فقط اعرفوا التفاصيل والحقائق قبل ان تكتبوا او تطلقوا أحكامكم".
دائماً_للأسف_ نقتل الضحية أكثر من مرة كما ذكرت في مقالات سابقة، لكن المبكي في الأمر بأن النخبة_ بالمفهوم العام_ المتواجدة في وسائل التواصل الاجتماعي متفاجئة من الحدث بل مصعوقة، وذلك إما بسبب ضعف البصر في رؤية الواقع الذي يعيشه المجتمع بشكل عام، أو غيابهم الدائم عن ملامسة الأحداث اليومية التي يعيشها الفلسطيني، سواء كان في مخيم جباليا، يطا، قلقيلية، الأغوار، خان يونس، طوباس، الرام وكفر عقب وحتى في الشتات ومخيمات اللجوء.......الخ.
في واقعنا الحالي هناك المئات من أطفالنا يعيشون في واقع مؤلم، نراهم بشكل يومي وكأننا لا نراهم، كأنهم أشباح بيننا في الشوارع عند إشارات المرور، في سوق الخضار والفواكه، في المستشفيات والمحاكم، حتى في نشرة الأخبار والصحف.
تشير التقارير السنوية لشبكة حماية الطفولة في الاعوام 20142015 أن عدد الاطفال الذين تعرضوا لشكل من اشكال الاعتداء الجنسي او الاعتداء الجسدي او الاستغلال الاقتصادي او الاهمال وسوء المعاملة قد بلغ 1010  اطفال منهم 572 ذكور و 438 اناث.
عائلات كثيرة أعرفها بشكل شخصي تبحث لأطفالها فقط  عن خبز ودواء وملابس تقيهم من البرد القارس. أطفال كثر أعرفهم بشكل يومي من ذوي الإعاقة يبحثون على ضوء أمل يتمثل في ابتسامة أو هدية أو حتى "مشوار" خارج إطار المؤسسة سواء كانت العائلة أو الجمعية للتأهيل. عائلات كثر لديها العديد من الأطفال من ذوي الإعاقة أو مرضى بمرض مزمن، فأين نحن منهم؟ ام نكتفي متى سيولد الخبر العاجل؟!
تعاملنا مع الطفولة الفلسطينية يجب أن يخرج من إطار المؤسسات الدولية وحتى المحلية، الى التعامل اليومي الواقعي حالة بحالة وبأسرع وقت، وعدم الاكتفاء فقط بالتقارير والأرقام لواقع الطفولة؟! فالأطفال اليوم بحاجة لفعل يومي ومباشر، وهنا يأتي دورنا كمجتمع بشكل فردي بالتكاتف بالحالات التي نعلم بها، من أجل تقديم يد العون بشكل سريع أولاً ثم إستراتيجي مع جهات الاختصاص. أيضاً هناك العديد من الحالات المعدومة لأطفالنا مختبئة بحجة العيب والتقاليد وحتى الجهل في كيفية التعامل معهم، وهذه الحالات يجب التعامل معها كل حسب مسؤوليته واختصاصه العائلي والمهني وحتى الوطني.
هناك أكثر من أيهم أحياء ويحاولون التشبث بالحياة بكل قوة، اذا تركناهم وحدهم فإن الأخبار العاجلة وحدها من ستحصدهم لتنتشر الشائعات مع كل قصة، هذه دعوة الى أصحاب الضمائر الحية للعمل كل في اختصاصه دون الانتظار، وعلى الجميع أن يتدخل لأن الخير ومد يد العون ليس بحاجة لقرار من أحد.

*هذا المقال إهداء إلى روح الطفل أيهم قزمار.