الأسبوع الماضي كان اقتصادياً بامتياز، تركز على التعاطي مع التحديات الاقتصادية والمستقبل الاقتصادي الاجتماعي، وكانت محاور البحث تتعاطى مع التنمية التحررية وتجارب من دول العالم التي حققت تنمية دون موارد عدا الموارد البشرية والعناية بالتعليم.
هذه الفعاليات الاقتصادية المهمة والحيوية افتقرت لقضايا أساسية، أهمها: أن مثل تلك الفعاليات عادة ما تكون الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني حاضرين بقوة، ويكون النقاش متعدداً، القضية المحورية الثانية هي أن هناك عدداً من أصحاب المداخلات يحضرون مداخلاتهم مسبقاً، بغض النظر إن كان مداخل آخر قد قال ذات المداخلة، وبغض النظر إذا تضمنت ورقة العمل على المنصة مجمل المداخلات، وغالباً ما نتناسى التركيز على السياسات المالية والاقتصادية ونذهب صوب تفاصيل من عيار: "هل حقاً سنغافورة تشبهنا؟"، "المياه حق إنساني أساس"، ودون أن نضيف: إن عدادات المياه مسبقة الدفع تحجب هذا الحق.
غالباً ما نبالغ في محاكمة القطاع الخاص ونجلده، ولكننا ننسى أن الأساس هو محاكمة السياسات المالية والاقتصادية، فإقرار عدادات المياه مسبقة الدفع، وتوقيع اتفاقية الكهرباء مع الإسرائيليين دون أن يعرف أحد على ماذا تنص؟ وهل حفظت حقوق المواطن أم لا؟ وما هو الدور الرقابي الحكومي على أداء القطاع المصرفي والمالي؟
فترانا نتهم شركة الاتصالات الفلسطينية من باب الأرباح وحجم الاستثمار، ولكننا لا نخاطب الحكومة للإصرار على إطلاق الهيئة الفلسطينية لتنظيم قطاع الاتصالات، بحيث تكون مستقلة إدارياً ومالياً ومستقلة عن القطاع الخاص الذي ينظمه.
ولكن الحديث عن قطاع المياه كان روتينياً في الفعاليات الاقتصادية، فلم يتعرض الباحثون لاتفاقية ناقل البحرين وعلى ماذا احتوت، ولم يجر الحديث عن مديونية قطاع المياه الكبيرة التي تجاوزت المليار شيكل، ولم يكن هناك تشخيص لسبل التعاطي مع عدادات المياه مسبقة الدفع، وقطع المياه عن المشتركين، ورسوم إعادة الربط، ورسوم توصيل المياه وكلفتها العالية، ولم يتم التعرض لقانون المياه الفلسطيني وتأسيس مرافق المياه الوطنية، ولم يأت على ذكر مجلس تنظيم قطاع المياه ودوره.
وكذلك الحال في التعاطي مع قطاع الطاقة والتركيز بالحديث عن الطاقة المتجددة وطاقة الرياح كمثال، لكن رفع القدرات لم يكن أمراً مشمولاً في البحث، وتوليد الكهرباء كذلك، حتى لم يتم التعرض لمحطات توليد الطاقة، وظهرت الورقة علمية أكاديمية بحتة، ورفع العتب عن شركات توزيع الكهرباء وفترة الانقطاع، ولم يتم الحديث عن مديونية القطاع.
واستطاعت ورقة التنمية التحررية أن تخرج عن المألوف وتقرع جدران الخزان في قضايا محورية، أهمها اعتمادنا في القانون الأساس "اقتصاد السوق"، وضرورة تحقيق تغيير جذري شامل يهدف إلى استغلال الموارد البشرية والاجتماعية على قاعدة العدالة الاجتماعية، وتعظيم المردود الفلسطيني وتقليل المردود الإسرائيلي، وتوليد ذاتي للدخل المستدام، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون والمساءلة والشفافية.
واضح أن نقاشاً خصباً بات يدور حول السياسات المالية والاقتصادية، وحول العدالة الاجتماعية، الشفافية، وحق المعرفة بنشر المعلومات حول أي اتفاقية يجري التوقيع عليها، ليس من باب الفضول، بل من باب المعرفة، وهذا أمر شامل لجميع القطاعات، وبات الحديث اليوم أكثر وضوح عن إعادة الاعتبار لصناعات تراجعت وبذل جهد أوسع باتجاهها، والتركيز على الزراعة، وتنمية الاعتماد على الذات.
بات واضحاً أن أحداً لا يتطلع لأن نصحو صباحاً فنفرح لأننا دون كهرباء ومياه واتصالات، ولكننا نتطلع إلى تطوير هذه القطاعات واستقلاليتها ووجود مجالس تنظيم لها تتابعها، نحن لا نريد العيش دون بنوك وشركات تأمين وشركات الإيجارة، بل نريد أن تكون كل هذه القطاعات لنا وليست علينا، وهذا لا يعني أن نقول للبنك: كونوا لنا، بل الأجدر أن نقول لسلطة النقد الفلسطينية: اجعليهم يكونون لنا من خلال سياسة الشمول المالي.
النقاش ممتاز وضروري. شكراً للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، وشكراً للمرصد، وشكراً لكل من شارك وحضر وناقش وداخل وقدم ورقة تنويرية، ويتواصل النقاش الاقتصادي في مسار آخر من خلال لقاء رئيس الوزراء مع جمعية حماية المستهلك الفلسطيني.