لقاء موسكو: الجدل والدوافع والسر الأعظم !! ..

thumb (14)
حجم الخط

ليس هناك اثنان من المفكرين في الشارع الفلسطيني على قناعة بأن لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو سيقدم الحالة خطوة واحدة للأمام، وهي ليست أكثر من مراوحة ممجوجة في نفس المكان.

إن روسيا بعد تورطها الدامي في الأزمة السورية وحجم المجازر التي ارتكبتها هناك، وآخرها سلوكيات وأسلوب التهجير والإبادة الجماعية الذي مارسته في مدينة حلب وضواحيها، والتي تسببت في خلق عداوات لها وثارات ستعيش المطالبة بها مع ذاكرة الشعب السوري، وكل المتعاطفين معه في طول العالم الإسلامي وعرضة.. روسيا بوتين تحاول اليوم الظهور بصورة الحريص على وحدة الفلسطينيين واجتماع شملهم!! مشهد سريالي يستدعي قراءة معمقة؛ لأن قضيتنا غدت أداة للمتاجرة الدولية، بعدما أفرغناها – بغبائنا - من عمقها العربي والإسلامي.

إن دماء السوريين ما تزال تنزف، ومشاهد النساء والأطفال وهي تبكي هلعاً في درعا وداريا والقلمون وحلب لم تغب، وأن معسكرات ملايين اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان وغيرها من دول الجوار ومعاناتهم للنجاة بأنفسهم وأطفالهم شاخصة أبصارها بلا أفق، كما أن الخوف الذي يسكن وجوههم في قوارب الموت التي تمخر بهم بحور الظلمات طلباً للحياة، وبأمل الوصول إلى شواطئ أوروبا كمهاجرين، في أسوء كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، هو المشهد اليومي الذي نغفى عليه وعيوننا تفيض حزناً من الدمع، نبكي عجزنا، وقلة حيلتنا، وهوان شعوب أمتنا على الناس

إن هذه المشاهد التي اهتزت لها ضمائر الإنسانية إنما هي جرائم حرب ارتكبتها روسيا بوتن، ولن تمحوها تلك الألاعيب السياسية التي تقوم بها أجهزة الدبلوماسية العامة في الخارجية الروسية لتبييض صفحات القياصرة الجدد، ولن تضفي عليها تلك المحاولة بدعوة الفلسطينيين لجلسات من المفاكرة والعصف الذهني أية أبعاد إنسانية، ولن تخفف من رغبات الانتقام لدى المستضعفين من السوريين والمسلمين يوماً ما.

سؤال وأكثر من علامة استفهام؟

سؤال الشارع الفلسطيني: تُرى ما الذي سيأتي به لقاء موسكو أكثر من لقاء جنيف، والذي لم نعلم عن فحواه الكثير.. لقاءات للمصالحة تترى، وتزيد شعبنا مع عثراتها إحباطاً وقهراً، خاصة وهو يتابع تلك اللقاءات التي غدت توصف لدى الكثيرين بالعبثية، وهي بمخرجاتها أشبه بالمثل القائل: "أسمع جعجعة ولا أرى طحناً!!"، حيث يبدو العجز والشلل عن حل أيٍّ من مشاكلنا وأزماتنا التي تتعاظم يوماً بعد يوم هو سيد واقعنا المعاش.

إن الكل في الشارع الفلسطيني يعرف أن توفر الإرادة وصدق العزم يمكن أن يأتي بالحل من غزة أو عبسان، ولا يحتاج كل هذا السفر الطويل المرهق بعيداً عن البلدان.

يا قومنا إنَّ الحل ليس في موسكو ولا حتى في طهران واستانبول، الحل هو في طهارة قلوبكم وصدق مواقفكم، وإحساسكم بمعاناة شعبكم.. أنتم اليوم أشبه ببيادق يتلاعب بها أصحاب الأجندات والمصالح، ويستغلها البعض للمتاجرة وحرف البوصلة. إننا نتفهم بعض الجولات التي تقومون بها في بعض الدول العربية؛ كمصر وقطر ولبنان والأردن، كون ملفات قضيتنا وأحوال لاجئينا ما تزال بأيديها ولها نصيب منها لا يمكن تجاهله، ولكن أن نسافر كل هذه الألاف من الأميال للعصف الذهني، فيما البلاد تعيش على صفيح ساخن وتوشك على الانفجار!! فهذا شيء من الاستخفاف الذي لا يتقبله العقل والمنطق.

إن نوايا موسكو التي ولغت في دماء المسلمين في سوريا، وما زال طيرانها يقصف بحممه القرى والبلدات هناك، ولا يرحم صغيراً ولا شيخاً كبيراً، لن يقنعني كفلسطيني أنه حريص علي "إصلاح ذات البين" بيننا، وأنه يقوم بذلك من أجل سواد عيوننا، التي تحجرت مآقيها بالدموع حزناً على ما جرى لأهلنا هناك في سوريا!!

إن هذه الاستضافة الروسية للعصف الذهني ليس أكثر من محاولة خادعة لتسويق الطاغية، وإظهار بوتين بالحريص على الفلسطينيين ووحدتهم، وهذا هو "السر الأعظم" في عملية التضليل والخداع لشعوب أمتنا، التي أُوغلت صدورها بالأحقاد والكراهية ورغبات الانتقام من روسيا بوتين.

ارحمونا وكفى..

لإخواننا في فصائل العمل الوطني والإسلامي أقول بإخوَّة ومسئولية وطنية عالية: ارحمونا.. ولا تجعلوا دعوات شعبكم المظلوم تطالكم سهامها، حيث إننا انتظرناكم طويلاً أن تأتوا بالمصالحة والحل، ولكن يبدو أن خطاكم ضلت طريقها وأعياكم الوصول.!!

ارحمونا.. إن اسماؤكم وابتساماتكم وتصريحاتكم غدت ممجوجة ولا نُطيق لها رؤية، وليس لنا فيها قناعة أو سبيل.

ارحمونا.. فلم يعد فينا طاقة للتحمل، وصبرنا على وشك النفاذ منذ سنين!!

ارحمونا.. فثقتنا بكم قد اختلت، ومصير من تعلق بها حزين!!

ارحمونا.. فلم تعد تقنعنا شعاراتكم الوطنية ولا وعودكم، ومشاهد الوطن بساكنيه تضيع وتتشظى وأنتم سامدون، وعن هموم شعبكم لاهووووووووون!!

ارحمونا.. قبل أن نستعدي عليكم لعنات السماء، فتأخذكم وأهليكم وما كنزتموه أجمعين!!

ارحمونا.. فحبل الكذب قصير، وإنما للصبر حدود أيها المقامرون!!

ارحمونا.. ولا تراهنوا على حسابات الخوف أن تردع شعباً يكثر فيه الثائرون!!

وختاماً؛ وقبل أن يصحو الوليد ويشتد ساعده العتيد، نأمل منكم - يا أحبتنا- أن تكون ضيافة موسكو للعصف الذهني آخر محطات العصف، وقبل أن يقول لكم الصغير والكبير: اغربوا عن وجوهنا، فلم تعودوا بفصائلكم دار قومٍ مؤمنين.