ثلاث حركات دولية في شهري الكوانين!

حسن البطل
حجم الخط

في بحر أيام ثلاثة أسابيع، أو كما يتعاقب شهر كانون الأخير من العام الفارط بكانون بداية العام الجديد، صدر عن المجتمع الدولي ثلاث طَرقات دولية على الباب الإسرائيلي: قرار، ثم مبادئ، ثم بيان.
سنجمل الطرقات الثلاث بالقول: «حل الدولتين» سيكون تفاوضياً، ولكن تحت مظلة دولية، بدلاً من المظلة الأميركية، أو اليد الأميركية التي حملت مظلة الرباعية الدولية منذ العام 2003.
الطرقة الأولى في مجلس الأمن في 23 كانون الأول، كانت أثقلها، كأنها طرقت حديداً ساخناً وذائباً، أو نقول إنها مطرقة الـ 14 دولة + إشارة مرور صفراء أميركية.
الطرقة الثانية صدرت عن الوزير كيري في 28 كانون الأول، كأنها صبّت الحديد الدولي المصهور في صيغة هيكل حل الدولتين، أو استبدلت خطاب وداع الرئيس اوباما بخطة الوزير كيري، أو هي تنقل مبادئ كلينتون في آخر العام 2001 من تصميم الورق إلى خياطة القماش.
الطرقة الثالثة جاءت بيد فرنسية، وكانت أشبه بتمليس طرقات مجلس الأمن ومبادئ كيري، أو هي طرقات خفيفة على نحاس بارد.
مؤتمر باريس الدولي منتصف كانون الثاني، غير اجتماع باريس الوزاري التحضيري مطلع حزيران من العام المنصرم. الأول كان مؤتمر الساعتين لالتقاط الصور على هامش مؤتمر دولي، والثاني مؤتمر اليوم الواحد، بعد أربع صياغات. الأول حضره وزراء خارجية ومنظمات دولية لـ29 دولة، والثاني حضره وزراء خارجية 75 دولة ومنظمة دولية.
وحدها بريطانيا المحافظة تحفظت على البيان الدولي لمؤتمر باريس، ولم توقع عليه. وحدها أميركا امتنعت عن التصويت على قرار الـ 14 دولة في مجلس الأمن، وأما موسكو فقد صوتت في مجلس الأمن لصالح القرار، وغاب وزير خارجيتها لافروف عن المؤتمر التحضيري مطلع حزيران العام المنصرم، وعن صورة المؤتمر الموسّع منتصف الشهر الجاري.
قال نقّاد للقرار الأخير لمجلس الأمن إنه أقلّ حسماً من قرارات أصدرها حول تفكيك الاستيطان عامي 1979 ـ 1980، لكنه كان أكثر حسماً في تحديد حدود «الحل بدولتين»، وخصوصاً حول قدس عاصمة دولتين. لماذا؟ فلسطين بعد مؤتمر مدريد لعام 1991 وأوسلو، وكامب ديفيد 2000 غير ما كانت عليه م.ت.ف قبل مشروع «الحل بدولتين».
لذلك، فإن بيان مؤتمر باريس، ومن قبله مبادئ كيري، ومن قبل القبل قرار مجلس الأمن نصّ على «إنهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 بشكل كامل»، ولو أشار، بالذات، إلى قراري مجلس الأمن لعامي 1967 أو 1973 (حرب الاحتلال، وحرب إزالة آثار الاحتلال) و»قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة» بما يعني أن فلسطين ستعامل دولياً كأنها دولة على الطريق، وليس كأرض عربية احتلت في حرب 1967، وشعب تحت الاحتلال.
فكرة المؤتمر الدولي الموسع في باريس سبقت مفاجأة انتصار ترامب الجمهوري على كلينتون الديمقراطية، ومفاجأة «بريكست» البريطانية، وتخللها انسحاب الرئيس الفرنسي هولاند الاشتراكي من الترشيح لولاية ثانية، واحتمال فوز رئيس فرنسي يميني هذا العام.
ربما لهذا السبب «رقّقت» باريس مشروعها من تحديد أجل ومواعيد لمفاوضات الحل بدولتين، وسحبت تهديدها بالاعتراف بدولة فلسطين حال فشل المفاوضات، إلى صياغات جديدة تأخذ في اعتبارها التحولات في الحكم الأميركي والبريطاني واحتمال تغير السلطة في فرنسا إلى رئيس يميني هذا العام. الهدف الفرنسي هو إجماع دولي!
لكن، مع ذلك، فإن الرئيس الأميركي الجديد، وبريطانيا خارج الاتحاد بعد «بريكست» وفرنسا اليمينية، ستأخذ في الاعتبار أن المجتمع الدولي قرر في طرقات سياسية متعاقبة، في قرار مجلس الأمن، ومبادئ كيري، ومؤتمر باريس أن الحل التفاوضي سيكون تحت مظلة دولية وبشروط دولية.
مجلس الأمن قرر أن يناقش، كل ثلاثة شهور، مدى التزام فلسطين وإسرائيل بقرار المجلس، عَبر تقرير الأمين العام الجديد للأمم المتحدة.
أما مؤتمر باريس فقد قرر الالتئام مجدداً في بحر هذا العام لبحث ما يُستجد إذا باشرت إسرائيل وفلسطين حلاً تفاوضياً لمشروع «الحل بدولتين».
أما بريطانيا المتحفظة على قرار مؤتمر باريس فهي اتخذت سياسة انتظار على مسافة قريبة من سياسة الرئيس الأميركي المنتخب، لتحقيق «تقدم» خلال العام الجاري.. وبعده؟!
بعد ثلاث طرقات حل تفاوضي، اعترضت إسرائيل عليها جميعاً بحدّة متفاوتة، فإن موسكو تنتظر من حكومة نتنياهو أن توافق على لقاء فيها بين عباس ونتنياهو، وكانت إسرائيل قد رفضت الفكرة، كما رفضت حضور مؤتمر باريس.
ماذا سيستجد في العام الجديد 2017، الذي يصادف مرور نصف قرن على احتلال إسرائيل لباقي أرض فلسطين؟ أميركا ترامب تهدد بالاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، ولا تهدد إسرائيل، في المقابل، بالاعتراف بفلسطين!
المستجد هو أن أوروبا، أو دول الاتحاد الأوروبي، ستعزّز وتموّل خطوات السلطة الفلسطينية لممارسة مسؤوليات دولية، وبناء اقتصاد فلسطيني قابل للحياة.
ماذا يعني هذا؟ في الفترة بين مؤتمر الـ75 دولة ومنظمة دولية، وعقد مؤتمر دولي ثان قبل نهاية هذا العام، قد تعترف دول في الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين، إذا لم يسفر «الحل التفاوضي» عن انصياع إسرائيل لقرار مجلس الأمن، ومبادئ كيري، وبيان مؤتمر باريس الدولي.
بعد ثلاث حركات دولية خلال أسبوعين، لن تكرر إسرائيل القول القديم: ليس مهماً ما يقوله العالم بل ما تفعله إسرائيل، كما لا يستطيع الرئيس الأميركي المنتخب أن يتجاهل تماماً ما حدث خلال أسبوعين.
قرار مجلس الأمن قال إن القدس عاصمة دولتين، وعقب مؤتمر باريس قال وزير الخارجية الفرنسي مارك ايرولت، إن نيّة ترامب نقل سفارة بلاده للقدس سيترتب عليها عواقب خطيرة «حين يكون رئيساً للولايات المتحدة لا يمكن أن يكون موقفه حاسماً وأحادياً إلى هذا الحد».
السلطة رحّبت بقرارات شهري الكوانين الدولية؛ وإسرائيل عارضتها كلها، لكن السلطة لن تذهب إلى حل تفاوضي دون مظلة القرارات الدولية الثلاثة. لماذا؟ لأن المجتمع الدولي، في ثلاثة مستويات، قرر أن «لن يعترف بأي قرارات أحادية الجانب تتعلق بمسائل الحدود والقدس».
الدولة الفلسطينية ليست قراراً فلسطينياً أحادي الجانب.. أو لم تعد كذلك منذ العام 1989.