تعتبر عبادة الأعضاء الجنسية من أغرب العبادات، وأغرب حتى من عبادة الشيطان، فإنه من غير المفهوم أبداً كيف يتخلى البشر عن خالقهم ليقيموا طقوساً لعبادة أجزاء مادية من أجسامهم!
ولربما ربط الإنسان بأن العلاقة الجنسية والتي تؤدي لإنجاب الأطفال هي سر الخلق وهي معجزة أدت لتقديسه لأعضائه، ولكن الغريب أن التقديس كان على شكلين، فتقديس عضو الرجل اعتباره أساس الخلق، والثاني تقديس العضو الأنثوي لأن المرأة تنجب وترضع.
وبدأ تقديس العضو الذكري منذ القدم عند المصريين القدامى والإغريق والرومان ممن عرفه، وظهر ذلك على جدران معابدهم وآثارهم، ولا يزال هذا التقديس شائعاً في بعض الأماكن التي سنستعرضها مثل اليابان والهند.
الفراعنة
تختلف الروايات التاريخية بشأن أول شعب عرف تلك العبادة، فقدّس المصريون القدماء الذكر وصوّروا الإله أوزوريس بعضو كبير في أكثر من مناسبة، فقد نسبها بعض علماء التاريخ والحضارات القديمة إلى المصريين القدماء، وهو ما يذهب إليه مسعود عبد الحميد، أستاذ الآثار اليونانية والرومانية المساعد في قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة عين شمس، فيقول: "تُظهر الآثار أشخاصاً قصيري القامة ولهم أعضاء عملاقة، مثل "الإله بيس"، القزم، والذي كان رمز الفراعنة للخصوبة بلادهم بفضل مياه النيل."
وقال ماجد الراهب، المتخصص بالحضارة المصرية القديمة ورئيس جمعية الحفاظ على التراث المصري، إن "التماثيل والتعاويذ ومختلف الأدوات التي تتعلق بالجنس أو تكون على هيئة أعضاء جنسية عند المصريين القدماء، كان الهدف منها جلب الخصوبة لصاحبها على الأرض أو ولادته في الحياة الأخرى التي اعتقدوا بها".
ولكنّ الباحث الأثري أحمد حماد يخالف هذا الرأي قليلاً، وقال: "لم يعبد الفراعنة أياً من أعضائهم، الأمر اقتصر على التقديس ليس للعضو ذاته بل للناتج عن العلاقة التي يقوم بها العضو. فالميلاد هو ما قدسه الإنسان المصري القديم وليس العضو الذكري أو المهبل الأنثوي".
وأردف أن "الصور المتداولة من العصر الفرعوني لمهبل أنثوي تحمله أذكار هو "كرسي الولادة" ويقصد به تقديس عملية الخلق أو ميلاد حياة جديدة، وليس العضو الجنسي الأنثوي بحد ذاته".
الإغريق على خطى الفراعنة
اعتبر الإغريق أن العضو الذكري سببٌ للحياة، ورمز للإنتاج والخصوبة والوافرة، وقد ظهر في طقوس ديميتر وهرمس وديونيسيوس، على الجدران والمنحوتات، ووصل الأمر إلى افتتاح "عيد ديونيسيا"، وهو احتفال أثيني بالإله ديونيسيوس، بمجسمات ضخمة خشبية أو معدنية لأعضاء ذكرية يحملها الرجال على الأكتاف، فيعتقدون أن تلك الطقوس تزيد القدرة على التناسل.
تأثر الرومان بالإغريق
تأثر الرومان بالإغريق فكانوا يرسمون الأعضاء على جدران المعابد ونحتوا له التماثيل. كما خصصوا مهرجان الربيع ومهرجان الإله باخوس (النسخة الإغريقية لديونيسيوس) للتعبير عن تقديس ذلك المعبود.
واعتبر الإغريق أنه رمزٌ لتجدد الحياة، وكانت النساء يذهبن إلى المعابد وينشدن ترانيم خاصة بمدح العضو المقدس، ويدهنّه بالنبيذ ويزينّه بالورود، وكانت تباع تعاويذ مقدسة وحلى ذهبية على شكل أعضاء ذكرية، وعثر على إحداها في بريطانيا. وأغلب الظن أنها كانت بحوزة جندي روماني، إذ وُجدت في منطقة كانت معسكراً رومانياً في السابق.
وعن الآثار التي تعكس تلك العبادة، أشار مسعود إلى أن"الحضارتين اليونانية والرومانية خلّفتا أعداداً كبيرة من الأعمدة التي يعلوها العضو الذكري كما نرى في جزيرة ديلوس، ونُحت العضو الذكري فوق جدران المنازل والمنشآت المختلفة في مدينتي بومبي وهيركولانيوم في إيطاليا، ورُسم على الأواني الفخارية الإغريقية ومنها رسوم لسيدات تحملن قضباناً ذكرية بأحجام ضخمة كقرابين للآلهة وللمشاركة في الاحتفالات المختلفة".
اليابان: طقس لا يزال مستمراً
في كتابه "قصة الحضارات" (المجلد الأول، الجزء الخامس)،يقول الكاتب ول ديورانت: "كانت العاطفة الدينية عند اليابانيين الأوّلين تجد ما يشبعها في الاعتقاد بأن لكل كائن روحاً، وفي الطوطمية، وفي عبادة الأسلاف وعبادة العلاقة الجنسية".
وحالياً، لا تزال عبادة الأعضاء الجنسية منتشرة في اليابان، فنجد أكبر مركز للعبادة حول العالم في "تاجا جينجا" حيث يقام مهرجان سنوي يسمى "كانامارا ماتسوري"، وهذا المهرجان الذي فقد الكثير من قدسيته وتحوّل إلى ما يشبه الكرنفال يتوافد إليه أشخاصمن الهند والصين وسائر أنحاء العالم.
وتتعدد المظاهر الاحتفالية في هذا الكرنفال. فتُباع شموع، وحلوى هلامية بألوان اللحم البشري وسلاسل ودمى بلاستيكية.