التـقـارب الـروسـي – الأمــيركــي المحـتـمــل: انـعـكــاســات شــرق أوسـطـيـة

20171901082005
حجم الخط

مع دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض تكثر الرسائل حول التغييرات المرتقبة في سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لروسيا.
فانتصار ترامب يستقبل في روسيا برضى وتفاؤل عظيم، ولا سيما عقب تصريحاته في حملة الانتخابات للرئاسة حول استعداده للتعاون مع روسيا. وبالاجمال، فان روسيا تعيش تحت ضغط غربي كان التقدير هو أن ادارة اميركية ديمقراطية ستشدده.
ولكن يتبين أن ترامب نفسه معني بتخفيض مستوى المواجهة مع روسيا ويحتمل أن يكون مستعدا لان يعمل على تسويات – وان لم تكن تنازلات كبيرة.
اما روسيا من جهتها فتعيش حالة انتظار متحفزة استعدادا لتسلم الرئيس الجديد مهام منصبه، بينما تتعاظم في الخلفية الاصوات التي تدعي بتدخل روسيا في عملية الانتخابات في الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، مثلما في الساحة الدولية بشكل عام ايضا، يبدو حرج وانعدام يقين من نوايا ترامب في مسألة السياسة الدولية للولايات المتحدة، بما في ذلك بالنسبة للسياسة التي تتحدد تجاه روسيا.
واضح أن هذا الموضوع سيكون من المواضيع المركزية على جدول اعمال الادارة الجديدة.
وبالتوازي، يتعاظم القلق في أوساط المؤيدين لمواصلة التصدي للتحدي الروسي ويفضلون مواصلة ممارسة الضغط على روسيا، بينهم – ادارة اوباما المنصرفة ومؤيديها، اعضاء كونغرس  كثيرون، بينهم جمهوريون، وبالطبع الدول الاوروبية.
يبدو أن جزءا من نشاط الادارة المنصرفة كان يستهدف تثبيت حقائق على الارض تجعل من الصعب على ترامب تغيير السياسة الحالية تجاه روسيا.
إن سياسة الادارة الأميركية الجديدة في موضوع روسيا ستكون بلا شك ذات آثار على الشرق الاوسط – وعلى عموم السياقات الذي يشهدها، وعلى رأس ذلك التدخل الروسي في الحرب في سورية.
فضعف مراكز الحكم للدول كنتيجة للثورات التي ألمت بالمنطقة في السنوات الاخيرة، تسعى القوى الاسلامية المتطلعة إلى تعظيم قوتها إلى استغلالها.
وقد شجعت الثورات في المنطقة بالتوازي سواء التدخل المتعاظم للقوى العظمى الاقليمية أم للقوى العظمى العالمية في ما يجري في المنطقة، بهدف التأثير على الميول وموازين القوى فيها – كلها تتطلع الى املاء النظام الاقليمي المستقبلي وقوتها النسبية في هذا الاطار.
وبين القوى التي تؤدي دورا مركزيا في صراع القوى هذا توجد روسيا ايضا، التي تستهدف تعزيز مكانتها في الشرق الاوسط.
يشكل التدخل الروسي في الشرق الاوسط، ضمن امور اخرى، ردا على التحديات التي تواجهها حيال الغرب.
فالدول الغربية التي تعتبر السلوك الروسي في مجال الاتحاد السوفياتي السابق ولا سيما في اوكرانيا كعدوان غايته تثبيت نفوذ موسكو في هذا المجال، ردت على خطواتها بالضغط السياسي عليها، وبفرض عقوبات اقتصادية تهدد استقرارها.
وبالتالي فان التدخل الروسي في الشرق الاوسط، اضافة الى غايته كسبيل لتثبيت مكانة روسيا كلاعب مؤثر في الساحة الدولية، موجه ايضا لمساعدتها على تحطيم دائرة الضغوط المغلقة عليها وخلق روافع واوراق مساومة حيال الغرب.
وكنتيجة للتدخل الروسي في الشرق الاوسط، اشتد التوتر الروسي – الأميركي. فالولايات المتحدة وشركاؤها يشخصون تطلعات روسيا كموجهة ضد المصالح الغربية وحتى الان تحفظوا من خطواتها في المنطقة وامتنعوا عن التعاون معها في ظل تشديد الضغط عليها من خلال استمرار العقوبات الاقتصادية.
ورغم ذلك، فان التدخل الروسي في الشرق الاوسط، والذي يتضمن رفع مستوى العلاقات بين موسكو ودول في المنطقة، خلق فيها واقعا استراتيجيا جديدا، في اطاره تعاظم النفوذ الروسي.
بالنسبة للعلاقات الأميركية – الروسية، قبيل قيام ادارة جديدة في الولايات المتحدة، يمكن ان نرسم ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. استمرار سياسة إدارة اوباما، والذي يعني استمرار بل وتشديد التوتر بين موسكو وواشنطن بالنسبة للشرق الاوسط.
2. تعديلات معينة في سياسة الادارة الجديدة تجاه روسيا، في ظل العمل على تنازلات متبادلة مضبوطة. يمكن التقدير بأن هكذا تخف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، بل وينشأ تعاون بين القوتين العظميين في الشرق الاوسط ايضا.
3. تعاون أميركي – روسي كامل في الساحة الدولية، تكون له آثار بعيدة المدى على تصميم النظام الاقليمي في الشرق الاوسط.
من هذه الامكانيات، يبدو السيناريو الاكثر واقعية هو الثاني – تفاهمات وحلول وسط معينة. ويستند هذا التقدير الى توافق هذا السيناريو مع نوايا ترامب المعلنة. واضافة الى ذلك، يمكن التقدير بان روسيا، التي تعيش ضغوطا في الساحة الدولية، ستفضل الوصول الى حل وسط مع الغرب – وان كان في ظل الحرص للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
وعليه، فيمكن التوقع ان حتى في بداية ولاية الادارة الأميركية الجديدة ستتخذ خطوات، سواء من روسيا أم من الولايات المتحدة بهدف تخفيض حدة التوتر بينهما، في ظل تنازلات متبادلة.
واذا كان هذا ما سيحصل، فان هذا الميل سيعطي مؤشراته في الشرق الاوسط ايضا.
في هذا السياق يطرح ضمن امور اخرى، سؤال حول علاقات روسيا مع اسرائيل. اليوم، على المستوى الثنائي، تسود بين الدولتين علاقات ايجابية. فروسيا ترى في اسرائيل شريكا ايجابيا وواعية لقدراتها الردعية.
يشار إلى أنه في اثناء السنة الاخيرة جرت في روسيا أربع زيارات اسرائيلية رفيعة المستوى، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وللرئيس رؤوبين ريفلين.
وزار رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف اسرائيل. يحتمل أن يكون في التدخل الروسي للمنطقة  فرصة معينة ايضا وان كانت متدنية للغاية، في ان تدفع روسيا الى الامام بتفاهمات مستقبلية بين الجهات الاقليمية المقربة لها وبين اسرائيل.
ومع ذلك، فان العلاقات بين الدولتين تتأثر سواء بالمجريات الاقليمية ام بالتوتر بين القوتين العظميين العالميتين.
فالتواجد الروسي في سورية في اطار التحالف مع خصوم اسرائيل الاساسيين – ايران، نظام الاسد، حزب الله ومؤيديهم، طرح اضطرارات جديدة امام اسرائيل. صحيح أن روسيا معنية بالامتناع عن المس بعلاقاتها مع اسرائيل في هذا الواقع الباعث على التحدي، وبالتأكيد تخفيض مستوى احتمال الصدام العسكري معها.
اما اسرائيل من جهتها، فتسعى الى الحفاظ على حرية العمل في مجال سورية، في ضوء التهديدات الناشئة على أمنها فيها.
ولهذا السبب، فان على روسيا واسرائيل على حد سواء أن تبلورا ردا مناسبا على هذا الاحتمال. وتثبت آلية التنسيق الامني التي تبلورت بين موسكو والقدس لمنع الاحتكاك حتى الان مصداقيتها وفاعليتها.
اضافة الى ذلك، ينبغي الاخذ في الحسبان بانه لن تضمن لاسرائيل دوما مراعاة روسية لمصالحها، اذا ما تضاربت هذه مع مصالح روسيا. وتقف اسرائيل امام تحدي التحالف الروسي العامل في سورية. ترى اسرائيل في تثبيت وضع ايران في الاراضي السورية وفي التعزيز العسكري لحزب الله عناصر تهديد مركزية.
اما روسيا من جهتها فتتعامل باستخفاف مع امكانية التهديد الايراني تجاه اسرائيل. ولاحقا يكمن في دعمها لايران وحزب الله احتمال لصدام مستقبلي بينها وبين اسرائيل.
في الظروف الحالية، يبدو أنه ستتواصل المراعاة للمصالح المتبادلة بين اسرائيل وروسيا بالنسبة للساحة السورية، كما من المتوقع ان تحرص روسيا على تنسيق عملياتي مع اسرائيل في هذه الساحة وربما ايضا تصل معها الى تفاهمات حول استقرارها. ولكن تواجد روسيا في المنطقة يستدعي من اسرائيل متابعة دائمة لخطواتها وللتطورات المتعلقة بمنظومة العلاقات الروسية مع العناصر الإقليمية واللاعبين الدوليين.