في النضال (المقاومة) السياسي والدبلوماسي والتضامني والمقاطعة الدولية نحقق إنجازات هامة. لا تزال غير حاسمة، لكنها تتراكم في تقدم يحمل المزيد من التأثير في كل يوم.
منذ النصف الثاني من العام المنصرم وبداية هذا العام حقق النضال السياسي الدبلوماسي ثلاثة إنجازات هامة جدا:
أولها قرار مؤتمر منظمة اليونيسكو حول القدس ومقدساتها.
الثاني قرار مجلس الأمن 2334 الذي يؤكد لا شرعية الاستيطان ولا شرعية أي تغيير في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالذات في القدس ومحيطها.
والإنجاز الثالث ما صدر عن مؤتمر باريس الأخير كما أوضحها البيان الصادر عنه.
الإنجازات المذكورة تحققت بالتوازي مع تقدم مستمر في تنامي حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، وضد استمرار احتلالها وحركة استيطانها بشكل خاص.
الإنجازات الثلاثة مع تقدم المقاطعة الدولية، قوبلت من دولة الاحتلال برفض ومقاومة وتهجّم واتهام وصلت في تعبيراتها حد الهيجان والتطاول، حتى على أصدقائها التاريخيين.
الإنجاز الثالث - مؤتمر باريس - عليه ملاحظات حقيقية وصحيحة منها:
المساواة، في مجال إعاقة مشاريع التسوية السياسية، بين وحشية الاحتلال واستمرار تغول الاستيطان وبين المقاومة الفلسطينية المشروعة (اسماها البيان أعمال العنف).
ومنها عدم التطرق الى حق العودة لللاجئين الفلسطينيين.
ومنها خلوّه من بند يعلن نية التقدم بالبيان الى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد بمحتواه الأساسي.
ومنها خلوه من آلية دولية محددة جديدة للمتابعة. ومنها نجاح الجهود الأميركية للتخفيف من لهجة البيان، ومن محتواه أيضا.
جون كيري نفسه، صرح حول البيان اننا " قاومنا من اجل تعديل ما اعتقدنا انه غير متوازن .....فعلنا ما هو ضروري لكي يكون متوازناً بالذات لجهة تضمين البيان لغة قوية تدين التحريض وهجمات الفلسطينيين على الإسرائيليين. وملاحظات أخرى.
لكن رغم ذلك يبقى مؤتمر باريس والبيان الختامي الذي صدر عنه إنجازاً حققته المقاومة السياسية والدبلوماسية الفلسطينية.
- فقد شاركت في المؤتمر 70 دولة وهيئة دولية ووقعت على بيانه الختامي.
- واكد البيان الختامي على: "حق الفلسطينيين بالدولة والسيادة". وعلى "إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 بشكل كامل".
- ورحب بالجهود الدولية بما في ذلك تبني قرار مجلس الأمن رقم 2334 بكل ما يحمله من إيجابيات كما تمت الإشارة.
- وأشار البيان الى أهمية معالجة الوضع الإنساني والأمني الخطير في قطاع غزة.
- اكد البيان على اهمية التزام الإسرائيليين والفلسطينيين بالقانون الدولي والقانون الدولي الانساني وقانون حقوق الإنسان. ( تفهم إسرائيل ويفهم أعضاء المؤتمر والمجتمع الدولي ان المعني بهذا البند حقيقة هي دولة الاحتلال وسياساتها).
إسرائيل، رغم الملاحظات الصحيحة على البيان الختامي للمؤتمر، ورغم الجهود الأميركية لتخفيف لهجته ومحتواه، رفضت البيان وإدانته ووصفه رئيس وزرائها نتنياهو بأنه "عبثي".
وجاء هذا الموقف استمراراً وتحصيلاً لموقفها الأصلي الرافض لفكرة انعقاد المؤتمر ورفضها المشاركة فيه.
إسرائيل تدرك معنى أن ينعقد مؤتمر تحضره 70 دولة وهيئة دولية رغم معارضتها ومقاومتها الشرسة لانعقاده ومقاطعتها له. وتدرك معنى وتأثير التأكيدات والترحيبات والإشارات التي صدرت عنه، وما تعكسه من تغيير هام في موقف المجتمع الدولي، وتتحسب لتطورها وتفاعلها مع قرارات ومواقف دولية أُخرى وتحولها الى مواقف وأفعال تؤذيها في الصميم.
وإسرائيل في الأصل والأساس، ولجهة المبدأ، ترفض اي تحرك او مبادرة لتسوية دولية، وتتمسك بالخيار الذي تجمع عليه غالبية ساحقة من مجتمعها ومن قواها السياسية وائتلافها الحاكم وهو خيار المفاوضات الثنائية المباشرة مع الفلسطينيين بدون أي شروط او تحديدات مسبقة. هذا الخيار هو ما يمكنها من الاستفراد بالفلسطينيين من موقع القوة الاحتلالية لتمنع قيام دولة فلسطينية ولتفرض ما يناسب استمرار احتلالها وسيطرتها وتوسع استيطانها.
واذا كان من تدخل دولي تقبل به إسرائيل، فهو التدخل الأميركي فقط ولوحده. وآمالها القصووية في عدوانيتها والتمسك باحتلالها وباستيطانها منعقدة بكليتها على الرئيس الأميركي الجديد وبانتظار بيانه الأول الى العالم في يوم "الجمعة الحزينة جدا".
في أوضاعنا الداخلية التي، لا شك، تؤثر بشكل أساسي على كل أشكال ووتائر النضال الوطني ومقاومة الاحتلال، يبقى تجذر أهل الوطن بأرضهم واستمرار نضالهم لتحريرها من الاحتلال بما ملكت إيمانهم وبما تبتدعه إرادتهم ومبادراتهم الخلاقة من أشكال للمقاومة، وتمسكهم بثوابتهم الوطنية، يبقى هو مبعث الإشراق ونور الأمل المتجدد.
أما النظام السياسي الفلسطيني، بعموم تعبيراته، فما يزال (مكانك سرّ) متخلفاً عن حال أهل الوطن وعن امانيهم وتطلعاتهم الوطنية والوحدوية، والحياتية ايضا. ولا يزال انقسامه على نفسه يتعمق، يدمي الوطن وأهله ويدمي القلب، كما يدمي انقطاع الكهرباء في غزة قلوب الأهل لفقدان حياة أطفال لهم بسبب البرد بلا ذنب اقترفوه.
ان هذا الحال للنظام الفلسطيني العام يؤثر بلا شك على النضال السياسي الدبلوماسي التضامني والمقاطعة، سواء باتجاه الحد من زيادته وتعظيمه، أو باتجاه الحد من القدرة على الاستفادة القصوى من إنجازاته.
اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الذي انعقد قبل أيام، واجتماع موسكو أيضاً، على ما في شكلية الاجتماع من إيجابية، الا انهما لم يغيرا في الواقع شيئا. بقيا في حدود الحالة السائدة للنظام السياسي، لم يفتحا أية أبواب او مخارج جدية ومحددة للخروج عبرها الى واقع جديد. وفي الأغلب أن الاجتماعين لم يكونا مهيأين، وربما غير مقصود منهما الوصول لذلك، وان بعض المجتمعين لم يكونوا مخولين بصلاحيات الوصول الى ذلك.
الى متى سنستمر بالمشي على رجل واحدة؟ والى متى يمكننا الاستمرار في ذلك؟
فوائد المشي يومياً... لن تتخلي عنها بعد اليوم
03 أكتوبر 2023