الطـــــــور .. "قنبـــلـــــــة" الـــقــــــــدس !

20152904205704
حجم الخط

حي الطور على جبل الزيتون نموذج للتعايش والهدوء والنمو. صورته إيجابية نسبيا، سكانه معتدلون سياسيا ومحسوبون على اليسار و»فتح»، وقريبون من أنماط الحياة الموجودة في غرب المدينة. المنظر من هذا الحي جميل ويقطع الانفاس، حيثما نظرتم. في الشارع الرئيسي مستشفيان قريبان من بعضهما، اوجستا فكتوريا والمقاصد. في الأزقة يسير آلاف السياح من جميع انحاء العالم، ممن يزورون المواقع السياحية الكثيرة، وعلى رأسها كنيسة «كل الشعوب»، والكنيسة الروسية وجبل الزيتون.
في الوقت الذي أخذت فيه موجة العنف من الصيف الماضي بالزوال، فان الطور بالذات تحول علبة متفجرات. هاكم تفصيل الاحداث بدءاً من آخرها: طوال الاحد الماضي سجلت في الحي إخلالات بالنظام العام والقاء الحجارة على «قوات الأمن»، يوم السبت ليلا وبعد يوم كامل من الاخلال بالنظام العام، قام سائق فلسطيني في الشارع الرئيسي في الحي بدهس اربعة رجال شرطة واصابهم اصابة خفيفة. جاء هذا على ما يبدو ردا على الحادث الذي اشعل هذه الجولة – موت علي ابو غنام البالغ 16 سنة جراء اطلاق النار عليه من قبل حرس الحدود على حاجز الزعيم الذي يقع على احد مداخل الحي، يوم الجمعة مساء، حيث تدعي الشرطة أنه حاول طعن الشرطة بالسكين.
يوم الجمعة صباحا حدث في الحي حادث استثنائي آخر؛ سيارة كانت تسير في إحدى شوارع الطور أثارت اشتباه الشرطة التي كانت بالمكان. وحصلت مطاردة للسيارة، واكتشفت الشرطة وجود يهودي من سكان تل أبيب  في صندوق السيارة الخلفي وفي فمه بشكير. وقد اعتقل الخاطفان وهما من سكان الحي. والخلفية كانت جنائية، لكنها رفعت منسوب الاشتباه في الحي.

حتى «داعش»..
بدأت الاحداث عمليا في الصيف، مع خطف وقتل الشبان اليهود الثلاثة، جلعاد شاعر، نفتالي فرنكل، وايال يفراح. بعد ذلك بفترة وجيزة قتل الشاب محمد ابو خضير من شعفاط. «وقد أفاقت الطور وتحركت بشكل حقيقي خلال حملة عودوا ايها الاخوة، والجرف الصامد، وابو خضير»، ويقول مسؤول رفيع المستوى في شرطة القدس: «عندما هدأت المظاهرات في جميع احياء القدس، بقيت بعض الاماكن بما فيها الطور». منذ ذلك الحين لا يوجد هدوء. كشفت «الشاباك» في شباط الماضي شبكة «ارهاب» تضم عشرات السكان، وبدأ التحقيق في اعقاب تزايد الاعمال «التخريبية» في الطور. بعد ذلك اعتقل محام من سكان الحي بتهمة نقل اموال لـ «حماس». وفي الشهر الماضي اعتقل شاب بتهمة الانضمام الى «داعش».
أُعلن، الاحد الماضي في الطور، البالغ عدد سكانه حوالي 30 الفاً، اضراب عام في اعقاب قتل الشاب الذي ينتمي لثاني أكبر عائلة في الطور. اغلقت الحوانيت وبقي الطلاب في بيوتهم وحتى في المركز الجماهيري كان النشاط ضعيفا.
«الشرطة والشاباك يعتبرون ابو غنام مخربا، لكن الجمهور لا يعتبره كذلك، يطالبون الشرطة برؤية افلام التصوير من كاميرات الأمن. كان الولد في طريقه الى حفلة زفاف، وهذا يخلق الغضب» تقول مديرة المركز الجماهيري، بثينة عياد عثامنة. وحسب قولها «أعلنت الفصائل في الحي الاضراب والتزم الجميع به. حتى نحن، كجسم بلدي ولكن ايضا جزء من الحي، اضطررنا الى تجميد نشاطاتنا في هذين اليومين لان الشارع مشتعل».
عثامنة، التي تسكن في الحي منذ اربع سنوات، تعرف ابو غنام، حيث كان تلميذا في صفها. تقول: «ان الحي جميعه متضامن مع الحادث. يوجد غضب داخل المدرسة ويوجد غضب لدى المخاتير. اتمنى ألا تتطور الاحداث الى ابعد من ذلك. ولكن يمكن توقع احداث اخرى، الاجواء هنا سيئة. توجد صدامات بين رجال الشرطة والناس في الشارع، توجد مخالفات لرجال الشرطة والبلدية، هذا ما يفعلونه بعد كل حادث. يعتبر الناس هذا انتقاما، وكذلك الحواجز».
المركز الجماهيري حالة معبرة عن التوتر السياسي في الحي، الذي ينتمي لمنظمة التحرير. توجد اتصالات بين عناصر في الحي وبين البلدية والشرطة. رئيس البلدية، نير بركات، يزور الطور كثيرا. وتوجد في الحي نقطة شرطة تحولت قبل عام الى محطة شرطة. وزعت في الايام الاخيرة منشورات ضد المركز الجماهيري في الطور. «توجد اصوات في الحي تؤيد العمل مع البلدية، ولكن يوجد من يقاطع المركز الجماهيري، كونه يعمل مع البلدية» هذا ما يقوله الدكتور هيلل كوهين مؤلف كتاب «دوار السوق فارغ: صعود وسقوط القدس العربية»، «الطور نموذج لما يحدث في القدس  الشرقية، توجد اطراف الى هنا والى هناك. خلال سنوات طويلة كانت فتح هي الاقوى هناك». 

ارض ساخنة
تأسست الطور كقرية، ومع تطور القدس تحولت الى حي مركزي «وهي تشبه الاحياء القريبة من البلدة القديمة مثل الشيخ جراح»، كما يقول شاؤول اريئيلي، العقيد الناشط في اليسار ويقوم بعمل جولات سياسية في شرق القدس. الاراضي تشكل مصدر خلاف ومصدر توتر بين السكان والمؤسسة الاسرائيلية. سلطة الطبيعة والحدائق وبلدية القدس تحولان الاراضي المفتوحة والقريبة من الحي الى حديقة وطنية. والسكان يريدون الاراضي من أجل توسيع الحي. وتقديراتهم تقول انهم بحاجة الى زيادة بـ 3000 وحدة سكنية حتى نهاية العقد الحالي.
«رفضت الخطط التي قدمها السكان كل مرة، حيث يشعر السكان ان اراضيهم قد سرقت» كما يقول اريئيل «جميع الاراضي باتجاه معالي ادوميم هي اراضي القرية، حيث خرائط القرى، ويقولون ان هذا المكان الوحيد المتبقي لهم من أجل التوسع».
حسب جمعية «عير عميم» فان معظم اراضي القرية صودرت من قبل اسرائيل بعد العام 1967 ومن اصل 8800 دونم بقيت للقرية 3000 دونم فقط. هذه المعطيات تشبه الواقع في باقي احياء شرق القدس. مثلا: جميع اولاد المنطقة يتلقون الخدمات من مركز واحد. المدرسة تستطيع استيعاب 60 في المئة من الطلاب في الحي. الالاف يضطرون للسفر الى احياء اخرى.
حادث آخر، اصغر بقليل، لكنه يؤثر جدا على المزاج العام، حدث في الصيف. خلال ليلة من الاخلال بالنظام قامت سيارة تفريق المظاهرات التابعة للشرطة برش صفوف المدرسة بمياه عادمة رائحتها كريهة. الكثيرون ممن تحدثت معهم يتحدثون عن رش المدرسة كنقطة انكسار.
«الشعور في الاونة الاخيرة هو وجود صدام» يقول دكتور كوهين، الذي يذكرنا ان سكان الطور خرجوا في السابق بمظاهرات عنيفة «خذ مفترق اوجستا فكتوريا وكل هذه الطريق، وعلى طول هذه الطريق ما زالت علامات الاطارات المشتعلة منذ التسعينيات. هذا جزء من واقع الحي وليس شيئا غريبا عنه».
دخل المستوطنون الى الطور في السنوات الاخيرة، واقاموا فيها مدرسة «بيت اوروت» التي كان حادث الدهس قريبا جدا منها ليلة السبت. عضو المجلس البلدي، آريه كينج، والذي يعتبر عمله الاساسي اسكان اليهود في احياء القدس الشرقية، يدعي انه من «الناحية الاحصائية فان الطور هي صاحبة الاحداث العنيفة، بعد سلوان، حيث الشارع الرئيسي هو الخط الاكثر خطورة لليهود في القدس الشرقية».
يعتقد كينج ان الصحوة العنيفة ارتسمت منذ ثلاث سنوات على الاقل «كان هذا الحي هادئا جدا»، ويقول: «كان فيه الكثير من المسيحيين، ولكن بعد اقامة الجدار الفاصل، انتقل الى الطور الكثير من العرب من ابو ديس والزعيم، وأحضروا التطرف معهم».
«الطور قريبة من مركز القدس الشرقية، وتشرف على الاقصى، وهذا امر مهم من ناحية الوعي. انت تقوم صباحا وتشاهد الاقصى امام عينيك»، يقول كوهين «هناك ايضا مستوطنون يرفعون اعلام اسرائيل في الحي، ويقومون برفقة قوات الامن بالدخول الى هناك، وبطبيعة الحال ستكون الحجارة أكثر والاعتقالات اكثر». الحركة بحرية من قبل اليهود في الحي تحوله الى مركز لتجارة المخدرات، يقول كوهين ان «هذه احدى الاماكن الاكثر تجارة للمخدرات في القدس، وهذا يسبب العنف على خلفية جنائية».
تقول عثامنة: «ان رجالات منظمة التحرير هم الاقوياء في الحي، ليس حماس وليس داعش، لكن الغضب شعبي والناس تتصرف بتلقائية، هذا ليس امرا منظما».
توجد هناك عائلات موالية للأردن. لا اريدان يتيغير الوضع، يقول اريئيلي الذي يزور الحي مرتين في الاسبوع على الاقل «انا لا ارى تصعيدا، رغم ان الاسباب التي ذكرتها تكفي لكي تنتج من ينفذ ينفذ عملية. من الناحية الاجتماعية الاقتصادية فان السكان يعتبرون اليوم ضعفاء. لا استطيع القول انه كان ثمة تدهور في الوضع، من الممكن ان الحي كان اقوى في التسعينيات. العنف في الشوارع نتاج للغضب، وهذا لا يعني ان الوضع قد تدهور».
«كانت الطور دائما ساخنة»، حسب قول مسؤول في شرطة القدس «في هذه الطريق المؤدية الى جبل الزيتون كانت دائما اعمال القاء حجارة. توجد ايضا بيوت يهودية، والحركة السياحية نشطة جداً، نحن نضع هناك قوات كبيرة، لذلك فان الهدوء موجود نسبياً».
«بعد الصيف حصل تحاور مع الحي وشاهدنا تراجع الاحداث»، يقول المتحدث باسم شرطة القدس آسي أهروني. «الان خرج من هناك المخرب الذي حاول الطعن، وهذا اشعل الحي من جديد. أعتقد أننا سنرى الهدوء مرة اخرى في الايام القريبة القادمة».
قالت الشرطة، حول ادعاءات سكان الحي بخصوص موت ابو غنام، «وصل المشتبه به مع بلطة وسكين اخرى، حاول طعن جنود فقاموا باطلاق النار عليه، بعد ان اطلقوا طلقات تحذيرية في الهواء، وتم الحديث معه بالعبرية والعربية».
مفيد ابو غنام من عائلة الشاب المقتول «منطقتنا هي رقم واحد في السياحة، لكن الحكومة الاسرائيلية غير معنية بوجود اقتصاد جيد في الجانب العربي. غير معنية بان نربح كثيرا من الساحة». ويقول: «التواجد المكثف للجهات الامنية يخنق الناس في القرية. الناس يريدون العيش بشكل لائق، والذهاب الى المدرسة والعمل. الشرطة تعطي المخالفات عمداً، وبعدها تأتي مخالفات البلدية. يوجد في القرية اربعة فقط يؤيدون «حماس»، ولكن اذا بقي الوضع كذلك ولا يوجد سلام، فان الشبان الذين يجدون أن لا فائدة من المفاوضات سينضمون لـ «حماس». هذا هو تخوفنا.

عن «معاريف»