بالعودة إلى الشعارات التي رفعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية وحتى بعد الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية، فإن هناك اتفاقا بين مختلف المتابعين لهذه الشعارات والمواقف أن ترامب، قليل الخبرة، كثير التصريحات المرتبكة والغامضة، وتنم تصرفاته عن عدم التوازن والنزق ورد الفعل غير المدروس والمنفعل، إلاّ أن ما يمكن ملاحظته عن كثب، أن ترامب ومن خلال كل هذه التصريحات مجتمعة، يمكن أن يشير إلى "مبدأ أساسي" يستقي منه هذه السياسات والمواقف والشعارات، تنطلق أساساً من "تجديد" لمبدأ "مونرو" الذي يعود للرئيس الثاني للولايات المتحدة الأميركية جيمس مونرو صاحب شعار "أميركا للأميركيين" والذي يتوازى مع الشعار المتجدد الذي اعتمده ترامب في خطاب تنصيبه رئيساً بالقول "أميركا أولاً" وبينما كان يرى "مونرو" أن على أميركا أن تهتم بنفسها، بالابتعاد عن أوروبا، والاقتراب من القارة الأميركية الجنوبية، واتباع سياسة عدم التدخل، يرى الثاني، ترامب معدلاً ومضيفاً على مبدأ مونرو، أن أميركا أولاً، وهذا يتطلب انعزالاً حقيقياً، وتخلياً عن المعاهدات والسياسات التي تم اتباعها طوال العقود الماضية، معلناً تخلياً عن مبدأ مونرو في إطار عزل أميركا الشمالية عن أميركا الجنوبية من خلال الجدار الأمني والسياسي على الحدود مع المكسيك، والانفصال عن أوروبا من خلال إنهاء علاقة أميركا بحلف الناتو، وهو الحلف الذي كان يضم شطري الأطلسي، الشرقي والغربي، مع تأكيد ترامب على بناء جيش قوي قادر على حماية استقلال أميركا ودرء أي عدوان عليها، والتحول بالاهتمام الكلي إلى الداخل الأميركي عبر بناء اجتماعي واقتصادي، والنأي عن الملفات الخارجية ما أمكن، وإذا كانت هناك من "حروب" فهي حروب ذات طابع اقتصادي، خاصة مع الصين التي باتت تهدد المكانة الاقتصادية الأولى على الصعيد العالمي!
للتذكير، فإن الارتكاز إلى "مبدأ مونرو" مع وصول الرئيس جورج واشنطن إلى البيت الأبيض، مكن الولايات المتحدة من بناء ركيزة عسكرية واقتصادية ضخمة تمكنت من خلالها من الوصول إلى استقرار داخلي قوي، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى الانتقال من العزلة إلى التدخل في الشؤون الدولية على نطاق واسع، حتى أن ذلك مكنها من الدخول في الحرب العالمية الثانية ثم احتلال الفلبين وشن حرب في كوريا، في الوقت الذي ساهمت مساهمة كبرى في إسناد اقتصاد كل من ألمانيا واليابان وبناء قواعد عسكرية لها فيهما، رغم أنهما الخاسرتان في الحرب العالمية الثانية، ربما في عودة إلى مبدأ ولسون عندما اقترح الرئيس الأميركي وساطة أميركية لحل النزاعات لدرء الحرب العالمية الأولى، تحت شعار "سلام بدون نصر" وهو ما شكل انفتاحاً نسبياً وتعديلاً على مبدأ مونرو، إلاّ أن مبدأ ولسون، تحول إلى تدخل ووقوف إلى جانب دون آخر، الأمر الذي أدى إلى هزيمة دول المحور، وهنا كانت الصياغة الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت من خلال المبادئ الأربعة عشر الشهيرة، التي أطلقها الرئيس ولسون: حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحرية التجارة الدولية، وفكرة إنشاء تنظيم دولي جديد، عصبة الأمم، الأمر الذي أنهى وبلا عودة، كما كان يظن، إلى مبدأ مونرو، ونهاية العزلة التي سادت السياسة الأميركية قبل الحرب العالمية الأولى، وهو ما شكل عملية انتقال رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة، من العزلة إلى الهيمنة، مستفيدة حقاً من عزلة أدت إلى بناء قوة اقتصادية وعسكرية جبارة، وفقاً لمبدأ "مونرو" الذي انتهى إلى هيمنة وفرتها هذه القوة الضاربة لكي تشجعها على الهيمنة وشن الحروب، بحيث باتت الولايات المتحدة، شرطي العالم الوحيد!
وبرز التخوف الأوروبي من سياسة ترامب هذه، واضحاً حتى قبل الإعلان عن فوز ترامب، وزير الخارجية الألماني، فالتر شتاينماير، انتقد شعار ترامب "أميركا أولاً" الذي رفعه أثناء حملته الانتخابية، وبعد تنصيب ترامب رئيساً، وتكراره لهذا الشعار عادت ألمانيا لتعرب عن تخوفها الشديد، وتخوف أوروبا، من وضع هذا الشعار موضع التنفيذ، والواقع، أن كافة الدلائل تشير إلى أن الشيء الوحيد المتماسك في سياسة ترامب، متفق تماماً مع "أميركا أولاً" وما سبق وأشرنا إليه، يؤكد على أن السياق السياسي للرئيس الأميركي ينطبق تماماً مع هذا الشعار الذي بات قيد التنفيذ مع بداية ولاية ترامب في البيت الأبيض.
ولعلّ أبرز منطلقات هذه السياسة التي ترتكز على "الداخل الأميركي" والتي تميزها عن مبدأ "مونرو" تلك الاندفاعة ذات الطبيعة "الشوفينية" لشعار "أميركا أولاً"، ونقصد هنا الحرب على اللاجئين، والحرب على الإسلام، حتى لو كان شعار هذه الحرب، على الإسلام المتطرف، فهذا يعني أن الاندفاع إلى الداخل، يعني تطهيره من "الدخلاء" حتى لو كانوا أميركان، لاجئين، مثل كل الأميركيين، والفرق بين اللاجئين الجدد، خلال العقود القليلة الماضية، عن اللاجئين الأوائل، أن هؤلاء الأخيرين، كانوا مستعمِرين أكثر من كونهم لاجئين، وهم الذين قضوا على سكان أميركا الأصليين، الهنود الحمر، بينما تم استخدام اللاجئين الجدد، إما عبيداً، في فترة من الفترات، أو بناة لصرح الدولة التي باتت عظيمة اقتصاداً وعسكرة، بفضل اليد العاملة الرخيصة.
هذا هو ترامب، انعزالي شوفيني، ويريد أميركا على صورته هذه!!