بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب
استاذ علوم سياسية-غزة
لقد أثار القرار الأممي الأخير رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن جدلا ونقاشا حادا حول إمكانية تحقيق السلام والوصول لحل الدولتين، على إعتبار ان كل الأنشطة الإستيطانية بما فيها القدس غير شرعية ، وتعيق قيام الدولة الفلسطينية ، او بعبارة الرئيس أوباما تجعل حل الدولتين شبه مستحيل، وما تضمنه من ضرورة الشروع في عملية تفاوضية إستنادا للمرجعية الدولية.
هذا القرار حاول الرئيس الجديد دونالد ترامب ان يحول دون ممارسة الولايات المتحدة حق الإمتناع لعدم تمريره، إنطلاقا من وجهة نظر تبناها عدد من الخبراء الأمريكيين في شؤون الشرق الأوسط أمثال دنيس روس ، واليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش، ومايكل سينغ خبير في شؤون الشرق الأوسط، أن من شأن هذا القرار أن يصعب من عملية السلام في المنطقة.
ويذهبون للقول أن القرار قد تضمن مطالبات تتناقض مع التوافقات التفاوضية التي تم الإتفاق عليها مثل بقاء الكتل الإستيطانية الكبرى مقابل تبادل الأراضي، وأن تأكيد القرار على إلغاء كل الأنشطة الإستيطانية من شأنه أن يصلب الموقف الفلسطيني ، وان القرار كان منحازا بشكل ملحوظ للموقف الفلسطيني، وقد تجاهل موضوع يهودية إسرائيل. والسؤال الذي يطرح هنا ما الفرق بين دور الولايات المتحدة ودور الأمم المتحدة ؟ وهل تستطيع الأمم المتحدة ان تنفذ هذا القرار وغيره من القرارات التي صدرت بشأن القضية الفلسطينية، والعديد منها يقر بعدم شرعية المستوطنات وأبرزها قبول فلسطين دولة مراقب، ورفع علمها إلى جانب أعلام الدول الأخرى.
الولايات المتحدة تمثل إرادة القوة الدولية، أما الأمم المتحدة تمثل إرادة الشرعية الدولية. والإرادة الأولى يمكن أن تعيق تطبيق وتنفيذ أرادة الشرعية الدولية بما تملكه من عناصر القوة بصفتها اولا أنها القوة الكونية الأولى عسكريا، وثانيا وهذا الأهم حق الفيتو الذي تملكه في مجلس الأمن، والذي يحول دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية إلى سياسات واقعية وقابلة للتنفيذ. فالولايات المتحدة كرست الفيتو الأمريكي لحماية إسرائيل من اي قرارات دولية ملزمة. وإستخدمت الفيتو لصالح إسرائيل أكثر من سبعين مرة ، ونادرا ما كانت تمتنع عن التصويت كما في القرار الأخير ، والذي أثار قلق إسرائيل، لما لذلك من إعطاء دفعة قوة للقرار، وما يمثلة من إرادة أممية.
وتدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أهمية وفعالية قرارات الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة. فصحيح ان الولايات المتحدة يمكنها ان تعطل كل القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وهو ما حدث فعلا، والحيلولة دون صدور اي قرار إستنادا للفصل السابع الذي قد يفرض عقوبات على إسرائيل، وبالتالي يحول القرارات الدولية إلى مجرد توصيات دولية غير ملزمة لإسرائيل. ولا شك ان هذا الموقف الفيتو الأمريكي هو من شجع إسرائيل على الإستمرار في سياساتها الإستيطانية، وعدم إنهاء إحتلالها للآراضي الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية، هذه السياسة هي التي دفعت إدارة الرئيس اوباما متأخرة ثمانية سنوات للإمتناع عن التصويت إنقاذا لحل الدولتين، والإنسجام مع السياسة الأمريكية على مدار الخمسين سنة الماضية التي تعارض سياسة الإستيطان.
والإمتناع لم يكن هدفه عقاب إسرائيل بقدر ما كان رسالة تحذيرية قوية .لأن هذا القرار يحتاج للفصل السابع لتنفيذه وهو ما ستعارضه إدارة الرئيس ترامب. وهل معنى ذلك أن إرادة الشرعية الدولية التي تعبر عنها الأمم المتحدة لا قيمة لها؟ هنا ينبغي ان نشير ان الشرعية الدولية تبقى لها قوة أخلاقية ، وهي ملزمة للدول التي ايدتها وتبنتها. فقد تحول الولايات المتحدة دون تنفيذ قرار دولي صادر عن مجلس الأمن، لكنها لا يمكنها أن تفرض هذا على الدول التي تصوت لصالح الحقوق الفلسطينية ، بدليل قبول فلسطين دولة عضو مراقب من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، التي يمكنها التغلب على الفيتو الأمريكي بقانون الإتحاد من أجل السلام، وعند تبنيها لأي قرار يتعلق بالسلام بأغلبية الثلثين يكون ملزما، وهنا يمكن عرض قضية فلسطين، دولة كاملة العضوية تحت الإحتلال وفقا لهذا القرار، وهذا ما يقلق إسرائيل.
فالشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم، ولها السمو على كل القرارات والقوانين التي تتخذها الهيئات التشريعية المحلية كالكنيست الإسرائيلي. وتشكل في الوقت ذاته مرجعية دولية لأي مفاوضات، وتقوى وتدعم الموقف التفاوضي الفلسطينية، ولا يمكن لإسرائيل أن تتحدى ارادة الدولية إلى الأبد، مهما كانت قوة الفيتو ألأمريكي.
وإرادة القوة التي مثلها الولايات بدون ارادة الشرعية لها أثمان كبيرة وعالية ، وتتحول لحالة من الفوضى ، وتفقد التأييد الدولي أو الحاضنة الدولية لأي قرار تسعى الولايات المتحدة او إسرائيل لتحقيقه بالقوة فقط، والنماذج كثيرة في العراق وأفغانستان. وفي هذا السياق الإراداتان تكملان بعضهما البعض. ولا شك تستطيع الولايات بما تملكه من أدوات تأثير ونفوذ وقوة ان تمارس تأثيرا مباشرا على إسرائيل وحثها للإلتزام بالشرعية الدولية. والدفع في إتجاه التسوية السياسية التفاوضية التي أساسها الشرعية الدولية التوافقية.
وعليه فالتبريرات التي تقدمها الولايات المتحدة ان القرار الأممي الأخير وغيره من القرارات الدولية قد تشكل عائقا امام الوصول لحل الدولتين غير صحيحة ، لأن المشكلة لا تكمن في إرادة الشرعية الدولية التي أنشأت إسرائيل، ولكن في إرادة القوة التي تستخدمها الولايات لإعاقة وإجهاض هذه الشرعية. والحل قد يكون بالتوافق بين الإرادتين.