مزاج مختلف؟

حسن البطل
حجم الخط
يسألونك في الدين، أو يسألونك: كيف تفضل قهوتك، ولا يسألونك كيف تشرب قهوتك. العطشان يَعُبّ الماء ويكرعه، أو يشربه، لكن مع فنجان القهوة تحسو، ترشف، «تمزمز» .. أو حتى «تلحس» قهوة الفنجان قطرة قطرة كما أفعل، أو كما كنت أفعل مع مشروب «ماء الحياة» Eeau de vie.
البعض يشرب، يحسو، يرشف قهوته في أي وعاء كان. كاسة من زجاج، او كوباً من الورق المقوى أو البلاستيك .. لكن عندي أن القهوة والفنجان توأمان.
البعض يفضل قهوته مرّة، او سكر خفيف، او قهوة محلاة. أي كما تعلمنا في قبرص ١٣ سنة: سْكْيتو، ليفي، ميوليفي.
للشعوب عادات في شرب القهوة على أنواعها، ولنا عادة شرب القهوة العربية أو التركية، وللقبارصة عادة شرب القهوة الشقراء (غلوة واحدة أو غلوتين) ولنا عادة شرب القهوة محمصة، نصف محمصة .. وين قهوة «مخا»؟
.. ولي عادة أن لا أعبُّ، ولا أشرب، بل أحتسي وأرشف القهوة .. قطرة قطرة على مدى ساعة ونصف أو ساعتين للفنجان الواحد!
في مقهاي المعتاد الصباحي، قال لي النادل ولاء: «ليش ما توخذ فنجانك معك إلى بيتك»؟ ساعتان على فنجان؟ هذا زمن قد يسجلونه في موسوعة غينيس.
النكتة مثل طنجرة، وغطاها نكتة من عندي: هل أعيده من البيت نظيفاً؟
لمحمود درويش نص نثري رائع عن القهوة: رائحتها، وطريقة اعدادها .. و«حسوها» مهلاً على مهل .. لكن ليس على مدى ساعتين للفنجان!
لحسن البطل هذا، أن يحسو، يمزمز، يلحس قهوته قطرة قطرة على مدى ساعتين، لكن يكتفي بفنجاني قهوة في اليوم في المقهى، وملعقة نسكافيه مع الحليب والعسل صباحاً.
القهوة العربية تُقّدم، عادة مع كأس ماء. البعض يشرب قهوته تاركاً الماء، والبعض يرشف نصف كأس الماء فارغاً، وأنا أشرب كأسين اثنتين من الماء.
ماذا أيضاً، علمني «شرّيب القهوة» سعادة سوداح كيف يجد حلاً لقهوة «أولغا» القبرصية في مكاتبنا: سكيتو، ليفي، ميوليفي (سادة، ع الريحة، حلوة) ولكن خلاف القبارصة وقهوتهم الشقراء، فهي تعد قهوة عربية ممتازة وثقيلة جداً (كما كان الفدائيون يعدون الشاي ثقيلاً جداً).
ماذا تعلمت من سعادة! أن أمدّ سبابة يدي في كأس الماء وأسكبه قطرة قطرة ثلاث مرات في الفنجان ليترسب «تفل» الفنجان.
هنا، تعلّم غرسونيرات المقاهي، او بالذات مقهاي المعتاد، أن يقدموا لي فنجان القهوة بأركانه الثلاثة: الفنجان، كأس الماء .. وملعقة صغيرة أسكب فيها بعض الماء على القهوة: أربع خمس قطرات لا غير!
هل قلت الأركان الثلاثة ونسيت الركنين الرابع والخامس: السيكارة وجريدة الصباح، والكتاب مع فنجان قهوة الأصيل.
لا أشرب القهوة بعد الخامسة مساء، وإلاّ طار النوم من عيني .. وكتبت لكم «عموداً دايخاً»!
لفنجاني القهوة مواعيد. ولملعقة قهوة النسكافيه والحليب موعد قاطع.. وللنوم موعد يجعلني أغادر سهرة أصدقاء لطيفة يشربون فيها قهوتهم قرابة منتصف الليل. قهوة للصحو؟ مفهوم. قهوة للنوم؟ غير مفهوم!

فيقي يا «فيقوس»
صَحَت دببة القطب من سباتها الشتوي، وبعض أشجار الفيقوس التي تزين أرصفة شوارع رام الله تتثاءب من قيلولة برد غير معتاد هذا الشتاء، جعل هذه الشجرة ذات الأوراق الخضراء الدائمة تتساقط على غير العادة، وعلى غير العادة الشتوية تدنت الحرارة هذا الشتاء الى تحت الصفر ليلاً، بل الى ٤ تحت الصفر بعض الليالي، فتجمدت «أنامل» وأغصان وفروع الشجرة، ونفضت عنها حلتها الخضراء.
هل ماتت؟ كلا تماوتت. أمدّ أصابعي إلى نهايات أفنانها فأجدها تتلوى غالباً، وتنقصف أحياناً. كما كنت أمدّ كفّ يدي إلى بطن زوجتي الحبلى بطفلنا الأول.
بعض أشجار «الفيقوس» صارت في يقظتها من سباتها تشبه رؤوس بعض الرجال. لحية كثّة، ورأس أصلع .. وهكذا تعود الأشجار لترتدي لباسها ليستر عريها، الأوراق تنمو من أسفل الأفنان والغصون السفلى، وتصعد الى فوق.
الشجرة، مثمرة كانت أم حرجية، هي ملكة مملكة النبات. هي الحياة. لذا، قال الشاعر: «سيل من الأشجار في دمي .. أتيتُ أتيتُ».
أفيقي أيتها «الفيقوس» من سبات الشتاء وقبل أن يحلّ الصيف.

حسن البطل