رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
امام العدسات والكاميرات ، شاهد العالم يوم 16 /1/2017 في بلدة تقوع – قضاء بيت لحم عملية اعدام وتنكيل وسحل الشهيد الفتى قصي العمور على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي بعد ان اصابوه بست رصاصات ونكلوا به جريحا وتركوه ينزف حتى فارق الحياة.
في بلادنا فقط الشهداء يطيرون، يتسلقون الكواكب العاليات ويسكنون الاقمار ويضيئون ، وفي بلادنا فقط يظل الشهداء متيقظين، عيونهم مفتوحة على المدى، ينزفون مطرا او دما ويتحركون ما بين الارض والسماء لايهدأون.
رأيت الشهيد قصي العمور يطير، حجارة حمراء كثيرة كشعاع تنقذف من بين يديه، جناحاه ترفرفان وتضربان السياج، يحلق في سهل تقوع ذو التربة الحمراء الخصبة، يطير فوق اشجار الزيتون الكثيفة، يستعيد اسم بلدته الكنعاني ويفتح بروحه قنوات المياه، يفجر الصخور من " ام الطلع" حتى "مغارة خريطون" ، وصولا الى البحر الميت الذي ينتفض بكل ما فيه من العصور القديمة.
رأيت الشهيد قصي العمور يطير، اعدموه حيا ولم يكتفوا ، ضربوه ، شبحوه، ولم تشبع الفاشية الاسرائيلية حتى اشبعوا جسده بالنار والرصاص، وقد أرادوا اعدام المدرسة، وأرادوا الموت لكل الاولاد الغاضبين الخارجين عن حدود الصمت والعبودية، وأرادوا ان لا يجري قصي في بريته الجميلة حرا يتفقد حياته القادمة.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، يحاول ان يرفع رأسه عن الارض عاليا حيث جروه بوحشية، يأبى ان يكون دمه مهدورا لهؤلاء القتلة، ويأبى ان يستمر مسلسل الاعدامات الميدانية مجرد صورا في الكاميرا، ويأبى ان يستمر القتل العمد على كل حاجز دون ان يكون هناك موقفا من هذا العنف الصهيوني القومي العنصري الانتقامي ، وفي قاعة المحكمة الجنائية ينتظر الشهداء ومعهم كل الأسئلة.
رأيت الشهيد قصي العمور
يطير ويطير، يقول: ايها الغد تمهل حتى نعرف تماما كيف نراك، حتى نتعلم كيف نستقبلك كاملين موتا وحياة، وحتى يتعلم الطين الكلام، ويصير ماؤنا نشيدا، ولنرى خطواتنا الاولى التي تمتد من البحر شرقا والى جبال الخليل جنوبا، والى مدينة القدس في ذروة الصلاة.
رأيت الشهيد قصي العمور يطير، يعانق الشهيد شاكر حسونة الذي اعدمه جيش الاحتلال وسحلوه بطريقة وحشية وهو ينزف دما في البلدة القديمة من مدينة الخليل، الجريمة تتكرر، والمشهد يتدلى مشنوقا بين اقدامنا ، هنا على الرصيف، وهناك على عتبة البيت، ودمنا لازال يصعد الى الغيم كاليقين.
رأيت الشهيد قصي العمور يطير، يتفجر في وجه الارهاب الاسرائيلي الرسمي المتنامي، ويتفجر في وجه مستوطني مستوطنة " معالي عاموس" ومستوطنة "نوكديم" الذين نهبوا الاثار والآبار وشنقوا الانبياء، وقتلوا الاغنام والرعاة في حقول الأديرة.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، وسمعته يهتف : اتركونا نجري في ماء الزمن، الاولاد يحلمون كثيرا، وان لم يفعلوا اكلهم النوم والرصاصات الغادرة، ها هم يخرجون ، يضيئون الوقت ويشعلون الذاكرة.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، يفتح نافذة تلك الزنزانة عن الاسير المريض والمحكوم بالمؤبد رياض العمور، يعيد اليه قلبه وبندقيته وذكرياته، يقول له، نحن لم نولد حتى نموت في برد او تجرنا السلاسل، فخذني لقاحا لحقول هوائك، وتنفس في دمي ، ها هو يفتح الابواب ويسيل في ساحات السجون.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، يلتقي "العدل زين الدين الخضر بن جمعة بن خليل الداري التقوعي"، ويلتقي بالشهيدين حسين عبيات ومحمود المغربي، ومن الماضي الى الحاضر يعلنها صرخة، فالطريق نفسها تتقدم للأمام، والتاريخ نفسه يحتضن خطوات الحجر.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، الشهداء يعانقون الشهداء، يخترقون جدار الصوت، يهبطون على القمر، يحاورون المجرات، يسكنون سريرة الخلق، ولهذا يظهر القمر في فلسطين على شرفة عرس، ويكمل الليلة حتى الصباح.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير، وقد قتلوه لأنه حمل قطعة من حجر وردي أحمر من "حوض العماد" الواقع في البلدة، والذي يعتقد انه من حجر صليب، وكان يبحث عن القطعة الاخرى المسروقة، يرشق اسئلته في وجه الغزاة العابرين، ويقرع بحجره كل اجراس الكنيسة.
الشهيد قصي العمور يطير ويطير ، وفي جنازته المهيبة ردد المشيعون على قبره كلمات الشاعر سميح القاسم:
وردة روحك...
فازرعها على رحتك الارض...
ووزع جسمك الحارق في جسد الوطن...
هذه التربة رحم...
لا كفن...