الطفل لا يبول ولا «يشخ»؛ والطفل لا يتفّ ولا يبصق. يا له من اكتشاف سخيف - جليل التقطته عيناي الصقريتان في منحنى من «درب المنحنيات السبعة». تفلت طفل من يد أُمه، وعلى كتف ترابي لمنحنى من درب المنحنيات السبعة، أدار ظهره لمجنزرة الجنود، و»عرّد» في الوادي. طفل آخر، اصغر عمراً بقليل، لم يتفلت من يد امه. أدار وجهه صوب مجنزرة الجنود وتفّ صوبهم بصقته. لسبب ما، لا يتفّ الطفل الصغير لعابه، بل «يريّل» نصف بصاقه، في الأقل، على ثيابه. ولسبب ما، لا يبول الطفل الصغير، بل ينفث ما في مثانته بقوة لا تقل عن نفثة كير الحداد. هل يعرّد
الطفل، او ان «حمامته» الوديعة تغدو، عندما يبول، أشبه بسبطانة هاون قصيرة، ذات رماية قوسية حادة؟ زرّرت أم الطفل سروال ولدها، وأمسك بيدها. مسحت أم الطفل بمنديلها بصاق ولدها عن قميصه.. وأمسكت بيده.. ولن يتذكر الجنود شقاوة الطفولة هذه، وقد لا يتذكر الطفلان فعلة هذا التحدي الغريزي، لكنني صرت في عمر جد الطفلين، وتذكرت، عند ذلك المنحنى، شيئاً من طفولتي. الطفل «يحجل» في أول خطواته، ثم «يكرج»، ثم «يبرطع».. وعلى درب المنحنيات السبعة ترى، أيضاً، رجالاً طاعنين في السن، يدبون خطاهم الثقيلة وئيداً وئيداً. لو بصق واحدهم بصقة احتقاره تجاه المجنزرة، فستكون مثل بصقة الطفل. الطفل «لا يتفّ» (تفوه)، بل «يريّل».. والشيخ لا يبصق، بل «يريّل»، لكن الطفل يده في يد أُمه، وذلك العجوز يتوكأ على عصاه!
2- يلعبون بـ»الخمّة»
التهم المجال الحيوي للحاجز منحنى بعد آخر من درب المنحنيات السبعة. في البداية كان الحاجز «طياراً» يشيله الجنود في يوم ويحطونه في يوم آخر، ثم صار ثابتاً لمدة أسبوع او اكثر، ثم صار خط الحاجز أشبه برقعة «الداما» أو الشطرنج، ملأى بمكعبات الإسمنت، التي يزحزحها الجنود بجرافتهم، والمتظاهرون بأيديهم.. ثم بدأت مرحلة نهش الإسفلت، وحراثة الشارع، وتكويم انقاض من الصخر والتراب، ومطاردة السيارات الملتفة على الحواجز عبر أكتافه الترابية، او متسلقي التلال من المتسللين... كل أنواع التكتيكات العسكرية لحفظ هيبة الحاجز، تساقطت امام كل أنواع التكتيكات المدنية لتمريغ هيبة الحاجز. من الذي عليه ان يخضع ويعتاد؟ هذا هو السؤال، الذي انتهى الى صيغة جواب مؤداه ان يلعب الجانبان بـ»الخمة».. ما هي «الخمة»؟ هي التراب القذر، الذي يغدو طيناً زلقاً بعد زخات المطر، وغباراً تثيره حركة العربات العسكرية التي تحفظ هيبة الحاجز، او حركة العربات المدنية، التي تسخر من هذه الهيبة.. عندما يغيب الجنود وعرباتهم المدرعة يوماً، او ساعات، او حتى دقائق. الآن، يغيبون دقائق، والسيارات التي يتحين سائقوها هذه الغفلة تطلق أبواقها لتحذير المارة، ويطلق سائقوها مهاراتهم الشيطانية في إثارة «عجيج» التراب، او «طرطشة» الماء المعجون بالطين. مرحى للهاتف النقّال الذي يعطي «كلمة السر». لا يسلم السائقون المجازفون من أذى همجي يُلحقه جنود يبرزون فجأة، من كمين في منحنى و»يطبشون» زجاج سيارات المخالفين الجسورين او مصابيحها، وأحياناً ينهالون بأعقاب البنادق مهشمين وجوه السائقين. .. وعلى درب «المنحنيات السبعة» من أعلى التلة الى أعلى التلة المقابلة، تدور لعبة اسمها «صراع الإرادات».. وتدور بامتياز. تتأرجح السيارات، أصلاً، على درب المنحنيات السبعة بحكم هندسة الطريق، وتتأرجح اكثر بين الموانع والأكوام والأخاديد.. وتتأرجح سوق الحاجز المحمولة على العربات، أو تتحرك بسطاتها بين منحنى ومنحنى، وبين رأس التلة ورأس التلة المقابلة. احد الصحافيين الإسرائيليين سأل: هل نتحمل شهراً مما تحمله الفلسطينيون عاماً وعامين.. ونصف العام؟ يا له من سؤال.
3- قرنبيط أبو العدس
هل هي تكشيرة الفقر، أم هي ضحكة موسم وآخر؟ لا يتذكر «ابو العدس»، ذلك الفلاح الساحلي المهاجر منذ زمن النكبة، ان الناس أفبلت على شراء خضراوات القرنبيط (الزهرة) في عام مضى، كما أقبلت هذا العام... او ان الأمر، ببساطة، ان درب المنحنيات السبعة صار درباً للمشاة الذين يتبضعون من «سوق الحاجز».. او ان الناس تبحث عن القرنبيط «البلدي» الضارب لون زهرته للاصفرار، وابو العدس النشيط لا يزرع غير البلدي. حقوله المتناثرة عند درب المنحنيات هي الأكثر اخضراراً، وهي الأكثر حراثة.. وهي، وحدها، التي تطرح ثلاثة مواسم في العام.
مخيما نور شمس وجنين و درب آلام واحد
06 أكتوبر 2023